فإن قلت : لعله يقول : إنّ في الصورة المفروضة لا يتحقق الطلب بالنسبة إلى المقدمة بالفعل لعدم الشعور بها أو عدم الحكمة لكنه يتحقق تقديرا ، بمعنى أنّه لو شعر بها وكان حكيما لطلبها البتة ، وهذا الطلب التقديري كاف في صحة طلب ما يتوقف عليها وترتب استحقاق الذم على تركه وحينئذ لا يرد ما أوردت.
أو يقال إنّه ما نقول إذا التزم أحد فساد الأدلّة المذكورة لكن قال بأنّ طلب الشيء يلزمه طلب مقدمته عند الشعور بها وحكمة الآمر لا لأنّه عند طلب المقدمة يلزم نفي صحة الذم على تركه ، بل لأن العقل يجده على التقدير المذكور لازما في الواقع ولا يجده عند عدمه كذلك فهل لذلك القول وجه صحة أو لا؟
قلت : ما وجه الفرار عن القول بتعلّق الطلب بالمقدّمة مطلقا حتى عند عدم الشعور وعدم كون الآمر حكيما إلى القول بتعلّقه بها حال الشعور وتحقق الحكمة فقط ، فإن كان وجهه توهم أن ما يلزم فعل المختار يلزم شعوره وعلمه به فلو لزم من طلب الشيء طلب مقدّمته ووجوبها يلزم أن يكون الطالب عالما به شاعرا به وذلك لا يتحقق بدون الشعور بالمطلوب والحكمة ، فقد علمت أنّه باطل وأنّه لا يلزم الشعور بما يلزم من الفعل الاختياري مع أنّه عند الشعور بالمقدمة وكون الآمر حكيما أيضا لا يلزم علمه بوجوب المقدمة وتعلق الطلب بها إذ رب حكيم شاعر بالمقدمة لا يصدق بهذا المعنى ولا يعلمه ، لأنّ هذه المقدمة على تقدير كونها بديهيّة ليست مما لا يشتبه على أحد كيف وجمع كثير من العقلاء ذهبوا إلى خلافها إلّا أن يخصص بالذي لا يعلم الأشياء على خلاف الواقع ، وهو مع كونه تكلفا تاما ويحتاج مع ذلك أيضا إلى التقييد بحال الالتفات إلى هذا المعنى وحصول هذا التصور له بديهة أو اكتسابا ، إذ ربّما لا يكون الحكيم المفروض حاصلا له التصديق المذكور ومع حصوله لا يكون ملتفتا إليه ولا إلى المقدمة ،