تركها لا يصحّ إلّا على تركها لا على ترك المأمور به وأنّ التكليف حينئذ لا يصح بالمأمور به ، لأنّه تكليف بما لا يطاق واستحقاق للعقاب على ما يمتنع فعله كما توهمه البعض واستدل عليه بهذا المعنى كما سبق مفصلا فتفطن.
واعلم أنّ ما ذكرنا من تعلق الخطاب بالمقدّمة واستنباط وجوبها منه ليس المراد به أنّه مقصود للمتكلم حال الخطاب حتى يكون مخالفا للبديهة والوجدان ، بل انّه إنّما يلزم من ذلك الخطاب وإن لم يكن مقصودا للمتكلم ومشعورا به له ، والحاكم باللزوم هو العقل ولما كان منشأ اللزوم في الأحكام الشرعيّة هو الخطاب الشرعي وإن كان الحاكم هو العقل صحّ نسبة الإيجاب إلى الشرع والحكم بالوجوب الشرعي وتعلّق الخطاب الشرعي به على وفق رأي الأشاعرة ، ولا تظنن أنّ ما يستنبط من الخطاب يلزم أن يكون مقصودا للمتكلّم حال الخطاب ، لأنهم ذكروا في بحث المنطوق الغير الصريح أنّه ينقسم إلى دلالة اقتضاء وإيماء وإشارة ، وفسروا دلالة الإشارة بما يدل اللّفظ على معنى بالالتزام ولا يكون ذلك المعنى الالتزامي مقصودا للمتكلم وضرب لها أمثلة.
فمنها قوله تعالى : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) (١) مع قوله تعالى : (وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ) (٢) فإنّهما يدلان على أنّ أقل مدة الحمل ستّة أشهر مع انّه ليس مقصودا في الآيتين.
ومنها قوله عليهالسلام في النساء (٣) : انّهن ناقصات عقل ودين ، وقيل : ما نقصان دينهن؟ فقال : تمكث إحداهنّ شطر دهرها لا تصلّي ، أي نصف دهرها
__________________
(١) الأحقاف : ١٥.
(٢) لقمان : ١٤.
(٣) راجع ذيل ص ٤٥.