في «نقد المحصل» حيث قال :
«ما لا يتم الواجب المطلق إلّا به وكان مقدورا للمكلّف كان واجبا عليه فإنّ الّذي كلفه الإتيان به كلف به كيف ما كان وهو قادر عليه من جهة تقديم ما لا يتم ذلك الفعل إلّا به فهو مكلف بذلك التقديم أوّلا وبذلك الفعل ثانيا.» انتهى كلامه. (١)
ولا أظنّك في مرية من هذا بعد تصور تعلّق الخطاب الإيجابي والطلب والإرادة الحتميين بشيء وتصوّر تعلّقها بما يتوقف عليه ذلك الشيء ولا يحصل بدونه تصورا مجردا عن العوارض والغواشي الغريبة ، وكيف يتصوّر من عاقل المنع من ترك شيء وعدم الرّخصة فيه مع تجويز ترك مقدمته التي يستلزم تركها تركه والرخصة فيه.
وما قيل : إنّ الحكم بجواز الترك هاهنا عقلي لا شرعي لأنّ الخطاب به عبث فلا يقع من الحكيم ، وإطلاق القول فيه يوهم ارادة الشرعي فينكر ، وجواز تحقق الحكم العقلي هاهنا دون الشرعي يظهر بالتأمّل فكلام لا يرجع إلى تحصيل كما لا يخفى.
وبما ذكرنا ظهر توجيه للدليل المنقول عن الآمدي كما وعدنا هناك ، ولا يذهب عليك أنّ ما ذكرنا من تعلّق الخطاب والطلب تبعا لمقدمة المأمور به ليس من جهة كونها موقوفا عليها للمأمور به ، بل من جهة استلزام فعل المأمور به فعلها حتى انّ هذا المعنى ثابت أيضا بالنسبة إلى لوازم المأمور به التي يكون وجودها تبعا لوجود المأمور به لا متقدما عليه كما يحكم به الوجدان ، ومن هذا يحصل التفطن للبيب بأنّ وجوب المقدمة ليس باعتبار أن استحقاق العقاب عند
__________________
(١) راجع ص ٤٧ ، وراجع نقد المحصّل ص ٥٧ طبع ١٣٥٩ ش.