سلّمنا لكن لا نسلّم أنّ كلّ أمر ونهي يوجب أن يكون في متعلقه حسن أو قبح.
فإن قلت : هذا ليس بضائر لنا ، إذ مرادنا أنّ المقدمة مأمور بها فإن كان الأمر مستلزما للحسن فثبت حسنها أيضا ، وإن لم يكن بل كان الأمر كما ذكرت فلم يثبت حسنها وذلك غير قادح في غرضنا.
قلت : بل هو قادح في غرضكم إذ غاية ما ذكرتم هو أنّه يصح تعلق الأمر بها وقد يتعلق بها أيضا وبمجرّد ذلك لم يثبت انّها مأمور بها البتة عند عدم تعلق الأمر بها أيضا ، بل لا بد من التمسك بانّ متعلق الأمر لا بدّ أن يكون حسنا والحسن يستلزم الأمر فثبت أنّه مأمور به البتة ، فمنع هذه المقدمة يبطل مقصودكم. على انّ هذا الكلام لا يتمشى من قبل المستدل لأنّه ذهب إلى وجوب المقدمة بمعنى ترتّب استحقاق الذم على تركها كما يظهر من كلامه.
وإمّا أن يرجع إلى أنّ الإرادة والكراهة متحققة بالنسبة إلى المقدمة فيكون مطلوبة فيئول إلى الدليل الرابع وقد تقدم القول فيه.
وإمّا أن يرجع إلى أنّ جميع ما يعتبر في الطلب متحقق في المقدمة لما نشاهد من حسن الأمر بها بمجرّد كونها مقدمة من دون أن يحدث فيها شيء آخر ولا شكّ أنّها عند تعلق الخطاب مأمور بها البتة فعند عدم التعلق أيضا كذلك ، إذ لا تفاوت إلّا بتعلق اللفظ وهو مما لا دخل له في هذا المعنى ، بل هو علامة وكاشف.
وفيه مع بعد استنباطه من العبارة المذكورة مع عدم تسليم تعلق الأمر كما أشرنا إليه ، وبعد تسليمه لا نسلّم عدم التفاوت بين الحالين سيما حال الغفلة عن المقدمة وعدم مدخلية اللفظ لما مرّ سابقا من أنّ اللفظ منشئ ومحدث ، وبعد