مجرّد الرّجحان ، والتزام الوجوب يحتاج إلى انضمام مقدّمة اخرى يمكن تحصيلها بأدنى تأمّل.» (١) انتهى كلامه.
وفيه بعد الاغماض عمّا يتراءى منه من الغفلة عمّا حرّر في محل النّزاع من أنّ أحد محتملاته كون النّزاع في مجرّد تحقّق الإلزام والإيجاب بالنسبة إلى المقدمة سواء كان تركه سببا لاستحقاق العقاب أم لا ، بل هو الأصل والعمدة في هذا الباب كما يظهر من تتبع كلماتهم وأقاويلهم ، إذ مع عدم الغفلة عنه لا معنى لأخذ تحقق إلزام المشقة في المقدمة مسلما كما هو ظاهر العبارة أنّ هذه المقدّمة وإن ذكرها بعض العدلية لكنها لا وجه لها عند التحقيق فيما هو مقصودهم الأصلي من وضع هذه المقدمة من تكليفات الله تعالى واستحقاق الثواب على امتثالها ، وكأنهم إنّما غفلوا عن مقدمة اخرى لهم من وجوب كون المأمور به حسنا والمنهى عنه قبيحا ، إذ بناء على هذه المقدمة لا وجه للمقدمة المذكورة لأنّه إذا كلف الله العبد بشيء فلا بدّ من كونه متّصفا بحسن وفائدة بناء على هذه المقدمة ولا يكون ذلك النفع عائدا إليه تعالى لتعاليه عنه ، ولا شكّ انّه إذا أمر أحد أحدا بأمر فيه نفع للمأمور فلا يلزم عليه عوض على المشقة الحاصلة للمأمور من فعله ، بل يكفيه النفع والحسن بحيث يتحمل العقلاء المشقة التي في الفعل ومقدماته لأجله ويؤثرونها عليها حتى لا يكون قبيحا وعبثا ، ألا يرى أنّ الطبيب إذا كلف المريض بشرب دواء كريه فيه شفاء وخلاصه من المرض فلا يلزم عليه عوض على المشقة الحاصلة للمريض من شربه ، مع أنّ الأمر فيما نحن فيه أظهر لأنّ الطبيب وإن لم يرجع إليه نفع من شرب الدواء لكن يرجع إليه نفع من الأمر به بخلافه تعالى ، إذ لم يرجع إليه نفع لا من الفعل ولا من الأمر به.
__________________
(١) راجع ص ٥٥.