تجد في نفسك كيفية اخرى يصلح لأن يكون مدلول الصّيغة أم لا؟ فإنك عند التأمّل في النفس والكيفيات والهيئات العارضة لها لم تجد شيئا كذلك ، فإذا تأمّلت وجدت العلم والقدرة والإرادة والكراهة والشهوة والنفرة والهم والغم والفرح إلى غير ذلك من المعاني المعلومة ، ولم تجد المعنى الّذي يجعلونه مدلول الأمر.
نعم إذا تحقّق الإرادة وتخلّف إطلاق الصيغة لمانع فعند (عند) حدوث الصيغة يتوهّم للأوهام اقتضاء حالة اخرى.
والتّحقيق أنّه لم يحدث في هذه الحالة للنفس كيفية اخرى إلّا العلم بالاعلام أو العلم بعلم المأمور بالإرادة أو غير ذلك ممّا يتبع الاعلام التابع لإطلاق اللفظ فانظر هل تقدر أن تحدث تلك الكيفية في نفسك من غير إيجاد اللّفظ وإطلاق الصّيغة فإن أجبت (اجريت) على القول بالأوّل ادّعيت لنفسك ما ليس لك إليه سبيل ، وكيف تقول بالثاني مع أنّك تعترف أنّه ليس علاقة عقلية بين وجود هذا اللّفظ ووجود تلك الهيئة ، بل اللّفظ كاشف عنه متأخّر عنه في الوجود فيلزم أن يوجد أوّلا حتى يكشف اللّفظ عنه ويدلّ عليه ، فلو كان شيئا موجودا لكان موجودا قبل اللّفظ من غير توقف عليه ولا استلزام له.
وبالجملة : كيف يسوغ أن يكون مدلول الصيغة المتداولة عند الخاصة والعامة معنى نفسانيا لا يجده العقلاء من أنفسهم ولا يميزونه بعقولهم وأفكارهم وهل هذا إلّا مكابرة واضحة يحكم الحدس الصحيح ببطلانه.
وإذا ثبت أنّ إيجاب الشيء يستلزم إرادته ونحن نعلم قطعا أنّه إذا تعلّق إرادتنا الحتمية بوجود الشيء ونعلم أنّه لا طريق إلى إيجاده إلّا بإيجاد شيء معيّن لا يمكن أن يحصل إلّا به ، لتعلّق إرادتنا الحتميّة بإيجاد ذلك الشيء البتة. وهذا