ثمّ لا يخفى انّ الفرق بين تعميم الوجوب بالنسبة إلى وجود المقدمة وعدمها وبين وجود الفعل وأجزائه وعدمها تحكم بارد لا أصل له عند التحقيق ، بل الشبهة كما يجري في المقدمة يجري فيهما أيضا بلا تفرقة كما يظهر عند التأمّل والرجوع إلى الفطنة المستقيمة ، فلو لا ما ذكرنا من الدفع للزم أن يكون كلّ طلب معلّقا بوجود المطلوب هذا خلف ولا ينفع ما ذكره من الجواب الصّواب وهو ظاهر فافهم.
ولا يذهب عليك أن هذا الدليل متمسك القول بعدم إمكان تحقق إطلاق الوجوب فيما له مقدّمة كما ذكرنا في الوجه الثالث من الخلاف.
ومنها : ما ذكره أيضا في الرسالة المذكورة بقوله : «حقيقة التكليف عند العدلية هي إرادة الفعل على جهة (١) الابتداء بشرط الإعلام فالّذي عليه مدار الإطاعة والعصيان هي الإرادة المتعلّقة بالشيء والألفاظ إنّما هي أعلام دالّة عليها والعلامة قد يكون شيئا آخر من دلالة عقل أو نصب قرينة اخرى ، وذهبت الأشاعرة إلى أنّ التكليف لا يستلزم الإرادة ولا الدلالة عليها ، بل الطلب الّذي هو مدلول صيغة الأمر شيء آخر وراء الإرادة يسمونه كلاما نفسيا ، وعند المعتزلة أنّه ليس هاهنا معنى يصلح لأن يكون مدلول صيغة الأمر إلّا الإرادة وقد طال التشاجر وامتد النزاع بينهما.
والصّواب مختار العدلية ، وتمام الكلام في ذلك متعلّق بفن الكلام ولا يسعه المقام.
وظنّي أنّه يكفيك مئونة التشاجر أن تراجع وجدانك عند حصول الأمر هل
__________________
(١) هذا القيد لإخراج أمر مثل السيد والوالد. منه رحمهالله.