٣ ـ المعركة الطاحنة
أو الوحى بين معتقديه
ومنكريه
كل ما قدمناه إليك في نزول القرآن لا
يسلّمه ولا يقبله إلا من آمن بالوحى وأساليبه ، والاتصالات الروحية بالملإ الأعلى
، واستمداد الانسان لمعارفه عن الله تعالى بوساطة الملك ، على غير الطريقة
المعتادة بين البشر. ولكن العقليّة العصريّة أصابها مسّ من الماديّة والإلحاد
والإباحة ، فأصبح كثير من المتعلمين تعليما مدرسيّا ناقصا ، لا يهضمون هذه الحقائق
العليا ، ولا يستسيغون فهمها ، بل يلقون حبالا وعصيا في سبيل المؤمنين بها ، ولا
شبهة لهم فيما ذهبوا إليه إلا شكوك تلقّفوها من هنا وهناك ، يروّجونها باسم العقل
مرة ؛ وباسم العلم مرة أخرى.
لهذا نرى لزاما علينا أن نقف هنا بجانب
الوحى وقفة نرفع فيها النقاب عن حقيقته وأنواعه وكيفيّاته ، ثم نتبع ذلك بالأدلة
العلمية على الوحى وإمكانه ، ثم نردفها بالأدلة العقلية على تحقّقه ووقوعه. ثم
نختم هذا المبحث بعلاج الشبهات التى تعترضهم ويعترضون بها في هذا الموقف الجلل.
والموضوع الخطير.
تلك نقاط أربع إذا وفّقنا في بحثها ،
قطعنا الطريق على عصابات مجرمة ، اتخذت مبحث الوحى أداة للفتنة ، وستارا يقضون من
ورائه وطرا للغواية ، ومأربا للاباحة ، وسبيلا إلى هدم الأديان ، وضلال الإنسانية
والإنسان.
ا ـ حقيقة الوحى
وأنواعه وكيفياته
أما الوحى فمعناه في لسان الشرع ؛ أن
يعلم الله تعالى من اصطفاه من عباده كلّ ما أراد اطلاعه عليه من ألوان الهداية
والعلم ، ولكن بطريقة سريّة خفية ، غير معتادة للبشر.