من الدواعى والأحداث فضلا عما سينزل من الله فيها. وهكذا يمضى العمر الطويل والرسول على هذا العهد ، يأتيه الوحى بالقرآن نجما بعد نجم ، وإذا القرآن كله بعد هذا العمر الطويل يكمل ويتمّ ، وينتظم ويتآخى ويأتلف ويلتئم ، ولا يؤخذ عليه أدنى تخاذل ولا تفاوت ، بل يعجز الخلق طرّا بما فيه من انسجام ووحدة وترابط : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)!!.
وإنه ليستبين لك سرّ هذا الاعجاز ، إذا ما علمت أن محاولة مثل هذا الاتّساق والانسجام ، لن يمكن أن يأتى على هذا النمط الذى نزل به القرآن ولا على قريب من هذا النمط ، لا في كلام الرسول صلىاللهعليهوسلم ولا كلام غيره من البلغاء وغير البلغاء.
خذ مثلا حديث النبى صلىاللهعليهوسلم ، وهو ما هو في روعته وبلاغته ، وطهره وسمّوه : لقد قاله الرسول صلىاللهعليهوسلم في مناسبات مختلفة ، لدواع متباينة ، فى أزمان متطاولة فهل في مكنتك ومكنة البشر معك ، أن ينظموا من هذا السرد الشتيت وحده. كتابا واحدا يصقله الاسترسال والوحدة ، من غير أن ينقصوا منه أو يتزيّدوا عليه أو يتصرفوا فيه؟؟.
ذلك ما لن يكون ، ولا يمكن أن يكون ، ومن حاول ذلك فإنما يحاول العبث ويخرج للناس بثوب مرقّع ، وكلام ملفّق ينقصه الترابط والانسجام ، وتعوزه الوحدة والاسترسال ، وتمجّه الأسماع والأفهام.
إذن : فالقرآن الكريم ينطق نزوله منجما بأنه كلام الله وحده. وتلك حكمة جليلة الشأن ، تدلّ الخلق على الحق في مصدر القرآن!. (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً).