ومثال تأويل أهل الطامّات قول بعضهم في تأويل قوله تعالى : (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) إنه إشارة إلى قلبه ، وقال هو المراد بفرعون وهو الطاغى على كل إنسان.
وفي قوله تعالى : (وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ) أى كل ما يتوكأ عليه ويعتمده مما سوى الله عزوجل فينبغى أن يلقيه. وفي قوله صلىاللهعليهوسلم : «تسحّروا فإن في السّحور بركة (١)» أراد به الاستغفار في الأسحار ، وأمثال ذلك حتى ليحرفون القرآن من أوله إلى آخره عن ظاهره ، وعن تفسيره المنقول عن ابن عباس وسائر العلماء. وبعض هذه التأويلات يعلم بطلانها قطعا ، كتنزيل فرعون على القلب ، فإن فرعون شخص محسوس تواتر إلينا النقل بوجوده ودعوة موسى له ، كأبى جهل وأبى لهب وغيرهما من الكفار. وليس من جنس الشياطين والملائكة مما لم يدرك بالحسّ حتى يتطرّق التأويل إلى ألفاظه. وكذلك حمل السحور على الاستغفار ، فإنه كان صلىاللهعليهوسلم يتناول الطعام ويقول : «تسحّروا (٢)» «وهلموا إلى الغذاء المبارك (٣)». فهذه أمور يدرك بالتواتر والحسّ بطلانها نقلا ، وبعضها يعلم بغالب الظن ، وذلك في أمور لا يتعلق بها الإحساس. فكل ذلك حرام وضلالة وإفساد للدين على الخلق. ولم ينقل شىء من ذلك عن الصحابة ولا عن التابعين ولا عن الحسن البصرى مع إكبابه على دعوة الخلق ووعظهم. فلا يظهر لقوله صلىاللهعليهوسلم : «من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار (٤)» معنى إلا هذا
__________________
(١) هذا الحديث رواه البخارى ومسلم.
(٢) هذا الحديث رواه البخارى.
(٣) هذا الحديث رواه أبو داود والنسائى وابن حبان من حديث العرباض بن سارية. وضعفة ابن القطان.
(٤) رواه البخارى ومسلم وقيل بتواتره.