فتنة عليهم (١)» وقال صلىاللهعليهوسلم : «كلموا الناس بما يعرفون ، ودعوا ما ينكرون ، أتريدون ، أن يكذّب الله ورسوله (٢)» وهذا فيما يفهمه صاحبه ولا يبلغه عقل المستمع ، فكيف فيما لا يفهمه قائله؟ فإن كان يفهمه القائل دون المستمع فلا يحلّ ذكره. وقال عيسى عليهالسلام : «لا تضعوا الحكمة عند غير أهلها فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ، كونوا كالطبيب الرفيق يضع الدواء في موضع الداء» وفي لفظ آخر : «من وضع الحكمة في غير أهلها فقد جهل ، ومن منعها أهلها فقد ظلم. إن للحكمة حقا ، وإن لها أهلا ، فأعط كلّ ذى حقّ حقه».
وأما الطاعات فيدخلها ما ذكرناه في الشطح ، وأمر آخر يخصها ، وهو صرف ألفاظ الشرع عن ظواهرها المفهومة إلى أمور باطنة لا يسبق منها إلى الأفهام فائدة ، كدأب الباطنية في التأويلات. فهذا أيضا حرام وضرره عظيم ، فإن الألفاظ إذا صرفت عن مقتضى ظواهرها من غير اعتصام فيه بنقل عن صاحب الشرع ، ومن غير ضرورة تدعو إليه من دليل العقل ، اقتضى ذلك بطلان الثقة بالألفاظ ، وسقط به منفعة كلام الله تعالى وكلام رسوله صلىاللهعليهوسلم ، فإن ما يسبق منه إلى الفهم لا يوثق به والباطن لا ضبط له ، بل تتعارض فيه الخواطر ، ويمكن تنزيله على وجوه شتى. وهذا أيضا من البدع الشائعة العظيمة الضرر وإنما قصد أصحابها الإغراب ، لأن النفوس مائلة إلى الغريب ومستلذّة له. وبهذا الطريق توصل الباطنية إلى هدم جميع الشريعة بتأويل ظواهرها ، وتنزيلها على رأيهم ، كما حكيناه من مذاهبهم في كتاب المستظهرى المصنف في الرد على الباطنية.
__________________
(١) هذا الحديث رواه مسلم في مقدمة صحيحه ، موقوفا على ابن مسعود. ورواه العقيلى فى الضعفاء.
(٢) هذا الحديث رواه البخارى موقوفا على علىّ ، ورفعه أبو منصور الديلمى في مسند الفردوس من طريق أبى نعيم.