ويستشهدون بقوله : أنا الحق. وبما حكى عن أبى يزيد البسطامى أنه قال : سبحانى سبحانى.! وهذا فنّ من الكلام عظيم ضرره على العوام ، حتى لقد ترك جماعة من أهل الفلاحة فلاحتهم ، وأظهروا مثل هذه الدعاوى ، فإن هذا الكلام يستلذه الطبع ، إذ فيه البطالة من الأعمال مع تزكية النفس بدرك المقامات والأحوال ، فلا تعجز الأغبياء عن دعوى ذلك لأنفسهم ، ولا عن تلقف كلمات مخبطة مزخرفة. ومهما أنكر عليهم ذلك لم يعجزوا عن أن يقولوا : هذا إنكار مصدره العلم والجدل ، والعلم حجاب ، والجدل عمل النفس ، وهذا الحديث لا يلوح إلا من الباطن بمكاشفة نور الحق ... فهذا ومثله مما قد استطار في البلاد شرره ، وعظم في العوامّ ضرره ، حتى من نطق بشيء منه فقتله أفضل في دين الله من إحياء عشرة. وأما أبو يزيد البسطامى رحمهالله ، فلا يصح عنه ما يحكى ، وإن سمع ذلك منه فلعله كان يحكيه عن الله عزوجل في كلام يردّده في نفسه ، كما لو سمع وهو يقول : «إنّنى أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدنى» فإنه ما كان ينبغى أن يفهم منه ذلك إلا على سبيل الحكاية.
(الصنف الثانى من الشطح) : كلمات غير مفهومة ، لها ظواهر رائقة ، وفيها عبارات هائلة ، وليس وراءها طائل. وتلك إما أن تكون غير مفهومة عند قائلها ، بل يصدرها عن خبط في عقله ، وتشويش في خياله ، لقلة إحاطته بمعنى كلام قرع سمعه. وهذا هو الأكثر. وإما أن تكون مفهومة له ، ولكنه لا يقدر على تفهيمها وإيرادها بعبارة تدل على ضميره ، لقلة ممارسته للعلم وعدم تعلمه طريق التعبير عن المعانى بالألفاظ الرشيقة. ولا فائدة لهذا الجنس من الكلام إلا أنه يشوّش القلوب ويدهش العقول ويحير الأذهان ، أو يحمل على أن يفهم منها معان ما أريدت ، ويكون فهم كل واحد على مقتضى هواه وطبعه. وقد قال صلىاللهعليهوسلم : «ما حدّث أحدكم قوما بحديث لا يفقهونه إلا كان