(ثانيها) أنهما محمولان على من قال في القرآن قولا وهو يعلم أن الحق خلافه ، كأصحاب المذاهب الفاسدة الذين يتأولون القرآن على وفق هواهم ليحتجّوا به على صحة آرائهم.
(ثالثها) أنهما محمولان على قول من يأخذ بظاهر الكلام ، من غير أن يستند إلى نقل أو يكلف نفسه البحث عن مبهمات القرآن وما فيه من حذف وإضمار وتقديم وتأخير ونحو ذلك ... فالنقل لا بد منه لكل مفسر ، كيلا يقع في الخطأ. أما التوسع في الفهم واستنباط صحيح الآراء فهو خطوة أخرى بعد النقل. لأن الأخذ بظاهر العربية وحده غير كاف ولا سديد. تأمل قوله سبحانه : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها) فإن معناه : وآتينا ثمود الناقة معجزة واضحة ، وبينة لائحة ، تدلهم على صدق صالح عليه الصلاة والسلام وصدق ما جاء به ، فظلموا بعقرها أنفسهم.
والواقف عند ظاهر اللغة العربية يظن أن المراد من الإبصار نظر العين ، ولا يدرى بما ذا ظلموا؟ ولا من ظلموا؟ أظلموا أنفسهم أم غيرهم.
هذه احتمالات في الحديثين. والدليل إذا تطرّق إليه الاحتمال ، سقط به الاستدلال.
ويجاب عن حديث جندب زيادة على سابقه بأنه حديث لم تثبت صحته ، وعلى فرض صحته فإنه يحتمل أن يكون معناه : «فقد أخطأ طريق التماس المعنى» ذلك لأن السبيل في معرفة ألفاظ القرآن إنما هى اللغة وعلومها. والسبيل إلى معرفة أسباب نزوله وتمييز ناسخه ومنسوخه ونحو ذلك إنما هو النقل الصحيح. والسبيل إلى القطع بمراد الله إنما هو الوارد عن النبى صلىاللهعليهوسلم. فإن لم يظفر بوارد فلا بأس من أن يقيس ويجتهد ويستدل بما ورد على ما لم يرد.
الدليل الثالث : ما ورد عن الصحابة والتابعين من أنهم كانوا يتحرّجون عن القول في القرآن بآرائهم. من ذلك ما روى عن الصديق رضى الله عنه أنه قال