تشويش المبتدعة. والثالث وهو اللباب أن يرى الأمور كلها من الله تعالى رؤية تقطع التفاته عن الوسائط ، وأن يعبده عبادة يفرده بها ، فلا يعبد غيره. ويخرج عن هذا التوحيد أتباع الهوى ، فكل متّبع هواه فقد اتخذ هواه معبوده. قال تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ). وقال صلىاللهعليهوسلم (١) : «أبغض إله عبد في الأرض عند الله تعالى هو الهوى». وعلى التحقيق من تأمّل عرف أن عابد الصنم ليس يعبد الصنم وإنما يعبد هواه ، إذ نفسه مائلة إلى دين آبائه فيتبع ذلك الميل ، وميل النفس إلى المألوفات أحد المعانى التى يعبر عنها بالهوى. ويخرج من هذا التوحيد التسخّط على الخلق والالتفات إليهم ، فإن من يرى الكلّ من الله عزوجل كيف يتسخّط على غيره؟ فلقد كان التوحيد عبارة عن هذا المقام ، وهو مقام الصدّيقين. فانظر إلى ما ذا حوّل؟ وبأىّ قشر قنع منه؟ وكيف اتخذوا هذا معتصما في التمدّح والتفاخر بما اسمه محمود مع الإفلاس عن المعنى الذى يستحق الحمد الحقيقى؟ وذلك كإفلاس من يصبح بكرة ويتوجّه إلى القبلة ويقول : (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً) وهو أول كذب يفاتح الله به كل يوم إن لم يكن توجه قلبه توجها إلى الله تعالى على الخصوص. فإنه إن أراد بالوجه وجه الظاهر فما وجهه إلا إلى الكعبة ، وما صرفه إلا عن سائر الجهات. والكعبة ليست جهة للذى فطر السموات والأرض حتى يكون المتوجّه إليها متوجّها إليه تعالى عن أن تحدّه الجهات والأقطار. وإن أراد به وجه القلب وهو المطلوب التعبّد به فكيف يصدق في قوله؟ وقوله متردّد في أوطاره وحاجاته الدنيوية ، ومتصرف في طلب الحيل في جمع الأموال والجاه واستكثار الأسباب ومتوجّه بالكلية إليها ، فمتى وجّه وجهه للذى فطر السموات والأرض؟ وهذه الكلمة خبر عن حقيقة التوحيد ، فالموحّد
__________________
(١) قال العراقى في تخريج هذا الحديث : رواه الطبرانى من حديث أبى أمامة بإسناد ضعيف.