الإسلام الغزالى في الإحياء ، عند بيانه لما بدّل الناس من ألفاظ العلوم إذ قال تغمّده الله برحمته :
«اللفظ الثالث ـ أى من الأسماء المحمودة التى نقلت بالأغراض الفاسدة إلى معان غير ما أراده السلف الصالح والقرن الأول ـ التوحيد. وقد جعل الآن عبارة عن صناعة الكلام ، ومعرفة طريق المجادلة ، والإحاطة بطرق مناقضات الخصوم ، والقدرة على التشدق فيها بتكثير الأسئلة ، وإثارة الشبهات ، وتأليف الإلزامات ، حتى لقّب طوائف منهم أنفسهم بأهل العدل والتوحيد ، وسمى المتكلمون بعلماء التوحيد. مع أن جميع ما هو خاصّة هذه الصناعة لم يكن يعرف منها شىء في العصر الأول. بل كان يشتدّ منهم النكير على من كان يفتح بابا من الجدل والمماراة. فأما ما يشتمل عليه القرآن من الأدلة الظاهرة التى تستبق الأذهان إلى قبولها في أول السماع ، فلقد كان ذلك معلوما للكل ، وكان العلم بالقرآن هو العلم كله ، وكان التوحيد عندهم عبارة عن أمر آخر لا يفهمه أكثر المتكلمين. وإن فهموه لم يتصفوا به ، وهو أن يرى الأمور كلها من الله عزوجل رؤية تقطع التفاته عن الأسباب والوسائط ، فلا يرى الخير والشر كله إلا منه جلّ جلاله ، إلى أن قال :
والتوحيد جوهر نفيس ، وله قشران ، أحدهما أبعد عن اللّب من الآخر ، فخصّص الناس الاسم بالقشر وبصنعة الحراسة للقشر ، وأهملوا اللّبّ بالكلية. فالقشر الأول هو أن تقول بلسانك : لا إله إلا الله. وهذا يسمى توحيدا مناقضا للتثليث الذى صرّح به النصارى ، ولكنه قد يصدر من المنافق الذى يخالف سرّه جهره. والقشر الثانى ألّا يكون فى القلب مخالفة وإنكار لمفهوم هذا القول ، بل يشتمل ظاهر القلب على اعتقاده والتصديق به ، وهو توحيد عوام الخلق. والمتكلمون كما سبق حرّاس هذا القشر عن
(٣٤ ـ مناهل العرفان)