بغسالة قميص تلميذه المخالف له في الرأى والاجتهاد! ثم سل التاريخ عن معاونة صاحب أبى حنيفة للشافعى ، ودفعه إليه كتبه في كرم وحسن ضيافة وصدق محبة! ولا تنس إباء مالك على الرشيد أن يحمل الناس في بلاد الإسلام كلها على موطّئه ومذهبه ، ويعتذر إليه بأن الإسلام أوسع من موطئه ومذهبه ، وأن أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم تفرّقوا في البلاد ولكلّ وجهة».
أرأيت هذا النّبل والطّهر : أجل أجل!!. ولكنك ستقضى الأسف حين ترى بجانبه فئات من المسلمين أيضا تراشقوا بالكفر ، وتراموا بالشرك ، وتقاذفوا بالتبدّع والهوى ، لمجرد تأويل يستسيغه النظر ، ويتّسع له صدر الاستدلال. ثم اتسع الخرق على الراقع في بعض الظروف حتى دارت معارك طاحنة بين صفوف كلّها مسلمة ، وأريقت دماء زكية كلها إسلامية! ولا نزال نشهد من مثل هذا الصراع القائم على التنطع مشاهد ما كان أغنانا عنها ، وما كان أحرانا بالحذر منها ، خصوصا بعد ما سمعنا من الآيات ، وبعد أن أقر الرسول أمثال هذه الخلافيات ، وبعد أن قال في حديث واحد ثلاث مرات : «هلك المتنطّعون». وهى كلمة صغيرة ولكنها كبيرة ، تحذّر وتنذر ، وتمثّل الهلاك جاثما فى التنطّع بأشكاله وألوانه ، فى الأنفس والأعراض والأموال ، وفي الجماعات والأفراد على سواء.
لا أريد أن أطيل في هذا ، ولكنى أريد أن أقرّوا كرّر ، أن الحكم على فرد أو جماعة بالبدعة والهوى ، لا يجوز أن يكون مبنيّا على غير بدعة أو هوى.
ونرى أن من أمثلة هذا التعصب والسير مع الهوى ، أن يرمى بعض المغالين في الاعتزال إخوانهم من أهل السنة بأنهم حمير في جهالتهم ، وبأنهم على هوى في عقيدتهم ، ولم يكفهم أن يقولوا ذلك نثرا ، بل ردّدوه شعرا : وأنشدوا ـ سامحهم الله ـ :
«لجماعة سمّوا هواهم سنّة |
|
وجماعة حمر ـ لعمرى ـ موكفه» الخ |