أما المدّ فأطلقه وتحته ما يسكب العبرات ، فإنه إما أن يكون طبيعيا أو عرضيّا. والطبيعى هو الذى لا تقوم ذات حروف المد بدونه ، كالألف من قال ، والواو من يقول ، والياء من قيل. وهذا لا يقول مسلم بعدم تواتره ، إذ لا تمكن القراءة بدونه. والمدّ العرضىّ هو الذى يعرض زيادة على الطبيعى لموجب إما سكون أو همز. فأما السكون فقد يكون لازما كما في فواتح السور وقد يكون مشدّدا نحو «الم ، ق ، ن ، ولا الضالين» ونحوه ، فهذا يلحق بالطبيعى لا يجوز فيه القصر ؛ لأن المدّ قام مقام حرف توصلا للنطق بالساكن. وقد أجمع المحققون من الناس على مدّة قدرا سواء. وأما الهمز فعلى قسمين :
(الأول) إما أن يكون حرف المد في كلمة والهمز في أخرى وهذا تسميه القرّاء منفصلا ، واختلفوا في مده وقصره ، وأكثرهم على المد. فادعاؤه عدم تواتر المد فيه ترجيح بلا مرجح ، ولو قال العكس لكان أظهر لشبهته ، لأن أكثر القراء على المد. (الثانى) أن يكون حرف المد والهمز في كلمة واحدة ، وهو الذى يسمى متصلا. وقد أجمع القراء سلفا وخلفا من كبير وصغير وشريف وحقير ، على مده ، لا خلاف بينهم في ذلك إلا ما روى عن بعض من لا يعوّل عليه بطريق شاذّة فلا تجوز القراءة به. حتى إن إمام الرواية أبا القاسم الهذلى ـ الذى دخل المشرق والمغرب وأخذ القراءة عن ثلاثمائة وخمسة وستين شيخا ، وقال : رحلت من آخر المغرب إلى فرغانة يمينا وشمالا ، وجبلا وبحرا ، وألف كتابه الكامل الذى جمع فيه بين الذرّة وأذن الجرّة ، من صحيح وشاذ ومشهور ومنكر ـ قال في باب المدّ في فصل المتصل : «لم يختلف في هذا الفصل أنه ممدود على وتيرة واحدة ، فالقرّاء فيه على نمط واحد ، وقدّروه بثلاث ألفات ـ إلى أن قال ـ وذكر العراقى أن الاختلاف في مد كلمة واحدة كالاختلاف في مد كلمتين ، ولم أسمع هذا لغيره.
وطالما مارست الكتب والعلماء فلم أجد من يجعل مدّ الكلمة الواحدة كمدّ الكلمتين إلا العراقى». قلت : والعراقى هو منصور بن أحمد المقرئ كان بخراسان. ولقد أخطأ