بطل الاصطلاح ، لأن أسبقية النبى صلىاللهعليهوسلم تنافى ذلك وتوجب الاتباع. وإن كان غير ذلك فكيف يكون النبى صلىاللهعليهوسلم كتب على هيئة كهيئة الرسم القياسى مثلا ، والصحابة خالفوا وكتبوا على هيئة أخرى؟ فلا يصح ذلك لوجهين : (أحدهما) نسبة الصحابة إلى المخالفة ، وذلك محال. (ثانيهما) : أن سائر الأمة من الصحابة وغيرهم أجمعوا على أنه لا يجوز زيادة حرف في القرآن ولا نقصان حرف منه. وما بين الدفتين كلام الله عزوجل ، فإذا كان النبى صلىاللهعليهوسلم أثبت ألف الرحمن والعالمين مثلا ، ولم يزد الألف في «مائة» ولا في «ولأوضعوا» ولا الياء في «بأيد» ونحو ذلك ، والصحابة عاكسوه في ذلك وخالفوه ، لزم أنهم ـ وحاشاهم من ذلك ـ تصرفوا في القرآن بالزيادة والنقصان ، ووقعوا فيما أجمعوا هم وغيرهم على ما لا يحل لأحد فعله ، ولزم تطرق الشك إلى جميع ما بين الدفتين ، لأنا مهما جوزنا أن تكون فيه حروف ناقصة أو زائدة على ما في علم النبى صلىاللهعليهوسلم وعلى ما عنده وأنها ليست بوحى ولا من عند الله ولا نعلمها بعينها ، شككنا في الجميع. ولئن جوزنا لصحابى أن يزيد في كتابته حرفا ليس بوحى ، لزمنا أن نجوز لصحابى آخر نقصان حرف من الوحى ، إذ لا فرق بينهما ، وحينئذ تنحل عروة الإسلام بالكلية!.
ثم قال ابن المبارك بعد كلام ... فقلت له : فإن كان الرسم توقيفيّا بوحى إلى النبى صلىاللهعليهوسلم وأنه كألفاظ القرآن فلم لم ينقل تواترا حتى ترتفع عنه الريبة وتطمئن به القلوب كألفاظ القرآن؟ فإنه ما من حرف إلا وقد نقل تواترا لم يقع فيه اختلاف ولا اضطراب. وأما الرسم فإنه إنما نقل بالآحاد ، كما يعلم من الكتب الموضوعة فيه. وما نقل بالآحاد وقع الاضطراب بين النقلة في كثير منه. وكيف تضيع الأمة شيئا من الوحى؟. فقال : «ما ضيعت الأمة شيئا من الوحى ، والقرآن بحمد الله محفوظ ألفاظا ورسما. فأهل العرفان والشهود والعيان ، حفظوا ألفاظه ورسمه ، ولم يضيعوا منها شعرة واحدة ، وأدركوا ذلك بالشهود والعيان الذى هو فوق التواتر. وغيرهم حفظوا ألفاظه الواصلة إليهم بالتواتر. واختلافهم