هذا ، ولا حديث يروى عن أكثر من ستين صحابيّا إلا هذا.
ولقد سمع الصحابة هذه الترهيبات وأمثالها. وما أمثالها في القرآن والسنة بقليل ، بل لقد سمع الأصحاب نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عما دون الكذب وما كان أقل من التزيد ، إذ حذرهم رواية الضعفاء والمدخولين
فقال : «سيكون في آخر أمتى أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم ، فإياكم وإياهم» رواه مسلم. بل حذرهم صلىاللهعليهوسلم رواية المجهولين فقال : «إنّ الشيطان ليتمثل في صورة الرجل فيأتى القوم فيحدثهم الكذب ، فيتفرقون فيقول الرجل منهم : سمعت رجلا أعرف وجهه ولا أعرف اسمه يحدث كذا وكذا» رواه مسلم.
فهل يستبيح عاقل منصف لنفسه أن يقول : إن الصحابة الذين سمعوا هذه النصائح وتلك الزواجر عن التزيد والافتراء ، يقدمون على كذب في القرآن والسنة ، أو يقصرون في التثبت والتحرى والاحتياط في نقل الذكر الحكيم ، والهدى النبوى الكريم؟!.
العامل الثالث
أن الإسلام أمرهم بالصدق ونهاهم عن الكذب إطلاقا ، فقال سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ.) وأنت خبير بأن هذا الخطاب بهذه الصيغة في هذا المقام مع تقديم الأمر بالتقوى ، فيه إشارة إلى أن الصدق المأمور به من مقتضيات الإيمان ومن دعائم التقوى ، ويفهم من هذا أن من كذب وافترى ، فسبيله سبيل من كفر وطغى. كما صرّح سبحانه بذلك في قوله : (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ).