يعبد الله فإن الله حى لا يموت. ثم تلا هذه الآية : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) إلى آخرها. قال الراوى : فو الله ، لكأنّ الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ ، فأخذها الناس من أبى بكر. وقال عمر : ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها ، فعقرت (١) حتى وقعت على الأرض ، ما تحملنى رجلاى وعرفت أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد مات» ا ه.
وهذه الآية ـ كما ترى ـ لا يشم منها رائحة أنها من كلام أبى بكر ، بل هى تحمل فى طيّها أدلة كونها من كلام الله ، وأن الصحابة يعلمون أنها من كلام الله ، نزلت قبل أن ينزل بهم هذا الخطب الفادح ببضع سنين. ولكن ما الحيلة فيمن أعماهم الهوى والتعصّب؟ (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).
(خامسا) : أن ما ادّعوه من أن آية (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) من كلام عمر ، مردود أيضا بمثل ما رددنا به زعمهم السابق في آية (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) الخ. بل زعمهم هذا أظهر في البطلان ، لأن الثابت عن عمر أنه قال للنبى صلىاللهعليهوسلم «لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى» فنزلت (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) فى سورة البقرة. وهناك فرق بين كلمة عمر في تمنّيه الذى هو سبب النزول ، وبين كلمة القرآن النازلة بذلك السبب ، فأنت ترى أن الآية جاء فيها الفعل بصيغة الأمر ولم يقرن بلفظ «لو». أما تمنّى عمر فجاء الفعل فيه بصيغة الماضى وقرن بلفظ «لو». وتحقيق القرآن أمنيّة أو أمنيات لعمر ، لا يدل على أن ما نزل تحقيقا لهذه التمنيات يعتبر من كلام عمر. بل البعد بينهما شاسع ، والبون بعيد.
__________________
(١) قال في المختار : «والعقر بفتحتين : أن تسلم الرجل قوائمه فلا يستطيع أن يقاتل من الفرق والدهش. وبابه طرب. ومنه قول عمر رضى الله عنه : فعقرت حتى خررت إلى الأرض» ا ه.