عن كتابة غير القرآن إذ يقول صلىاللهعليهوسلم فيما يرويه مسلم : «لا تكتبوا عنى ومن كتب عنّى شيئا غير القرآن فليمحه» وذلك كله مخافة اللّبس والخلط والاشتباه في القرآن الكريم.
(٥) وأما احتجاجهم الخامس بأن كثيرا من آيات القرآن لم يكن لها قيد سوى تحفّظ الصحابة ، وقد قتل بعضهم وذهب معهم ما كانوا يتحفظونه ، فلا يسلّم لهم ؛ لأن نفس ما كان يتحفظه الشهداء من القراء ، كان يتحفظه كثير غيرهم أيضا من الأحياء الذين لم يستشهدوا ولم يموتوا ، بدليل قول عمر : «وأخشى أن يموت القرّاء من سائر المواطن» ومعنى هذا أن القرّاء كلهم لم يموتوا. إنما المسألة مسألة خشية وخوف. ومعلوم أن أبا بكر كان من الحفّاظ ، وكذلك عمر وعثمان وعلى وزيد بن ثابت وغيرهم ، وهؤلاء عاشوا حتى جمع القرآن في الصحف ، وعاش منهم من عاش حتى نسخ في المصاحف وحينئذ فكتابة زيد ما كتبه ، هى كتابة لكل القرآن ، لم تفلت منه كلمة ولا حرف وكان القرآن كله مكتوبا كما سبق شرحه وبيانه ، حتى إن الصحابة في جمعه كانوا يستوثقون له بأن يعتمدوا على الحفظ والكتابة معا ، دون الاكتفاء بأحدهما وكانوا فيما يعتمدون عليه من الكتابة يتأكدون من أنه كتب بين يدى النبى صلىاللهعليهوسلم ويطلبون على ذلك شاهدين ، كما سلف إيضاحه.
(٦) وأما احتجاجهم السادس بأن ما كان مكتوبا من القرآن على العظام ونحوها كان غير منظم ولا مضبوط الخ ؛ فينقضه ما أثبتناه آنفا في جمع القرآن ، من أن ترتيب آياته كان توقيفيّا ، وأن الرسول صلىاللهعليهوسلم كان يرشد كتّاب الوحى أن يضعوا آية كذا في مكان كذا من سورة كذا. وكان يقرئها أصحابه كذلك ، ويحفظها الجميع ، ويكتبها من شاء منهم لنفسه على هذا النحو ، حتى صار ترتيب القرآن وضبط آياته معروفا مستفيضا بين الصحابة حفظا وكتابة. ووجدوا ما كتب عند الرسول من القرآن ،