لكان عرضة لتغيير الصحف أو المصاحف كلما وقع نسخ ، أو حدث سبب. مع أن الظروف لا تساعد ، وأدوات الكتابة ليست ميسورة ، والتعويل كان على الحفظ قبل كل شىء. ولكن لما استقرّ الأمر بختام التنزيل ووفاة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وأمن النسخ ، وتقرّر الترتيب ، ووجد من الدواعى ما يقتضى نسخه في صحف أو مصاحف ، وفّق الله الخلفاء الراشدين فقاموا بهذا الواجب حفظا للقرآن ، وحياطة لأصل التشريع الأول ، مصداقا لقوله سبحانه : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).
جمع القرآن على عهد أبى بكر رضى الله عنه
ألقت الخلافة قيادها إلى أبى بكر رضى الله عنه بعد غروب شمس النبوة ، وواجهت أبا بكر في خلافته هذه أحداث شداد ومشاكل صعاب. منها موقعة اليمامة سنة ١٢ اثنتى عشرة للهجرة. وفيها دارت رحى الحرب بين المسلمين وأهل الردّة من أتباع مسيلمة الكذاب ، وكانت معركة حامية الوطيس ، استشهد فيها كثير من قرّاء الصحابة وحفظتهم للقرآن ، ينتهى عددهم إلى السبعين ، وأنهاه بعضهم إلى خمسمائة ، من أجلّهم سالم مولى أبى حذيفة. ولقد هال ذلك المسلمين ، وعزّ الأمر على عمر ، فدخل على أبى بكر وأخبره الخبر واقترح عليه أن يجمع القرآن ، خشية الضياع بموت الحفّاظ وقيل القرّاء. فتردد أبو بكر أول الأمر لأنه كان وقّافا عند حدود ما كان عليه الرسول صلىاللهعليهوسلم يخاف أن يجرّه التجديد إلى التبديل ، أو يسوقه الإنشاء والاختراع ، إلى الوقوع في مهاوى الخروج والابتداع.
ولكنه بعد مفاوضة بينه وبين عمر تجلّى له وجه المصلحة ، فاقتنع بصواب الفكرة وشرح الله لها صدره ، وعلم أن ذلك الجمع الذى يشير به عمر ما هو إلا وسيلة من أعظم الوسائل النافعة إلى حفظ الكتاب الشريف ، والمحافظة عليه من الضياع والتحريف ، وأنه ليس من محدثات الأمور الخارجة ، ولا من البدع