باللين والصفح ،
ودعوى خلوّ المكى من ذلك اللين والصفح. وهذا المفهوم باطل كمنطوقه أيضا ودليل ذلك
أن بين السور المكية آيات كريمة تفيض لينا وصفحا ، وتقطر سماحة وعفوا ، بل تنادى
أن تقابل السيئة بالحسنة ، كما في قوله سبحانه في سورة فصلت المكية : (وَمَنْ
أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ
الْمُسْلِمِينَ. وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ، ادْفَعْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ
وَلِيٌّ حَمِيمٌ. وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا ، وَما يُلَقَّاها
إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ).
وكما في قوله سبحانه من سورة الشورى
المكية : (فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ
الْحَياةِ الدُّنْيا ، وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا ،
وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ
وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ. وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ
وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ
يُنْفِقُونَ. وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ. وَجَزاءُ
سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ، فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ
إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ. وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ
ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ. إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ
النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ، أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ
أَلِيمٌ. وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).
وكذلك قوله سبحانه في سورة الحجر المكية
: (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ
الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ. لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا
بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ ، وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) : إلى آخر السورة. ومثله قول الله جلت
قدرته في سورة الزمر المكية : (قُلْ يا عِبادِيَ
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ ،
إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)