الوارد على سبب خاص باق على عمومه عند الإطلاق. وذلك هو المطلوب.
«الدليل الثالث» احتجاج الصحابة والمجتهدين في سائر الأعصار والأمصار بعموم تلك الألفاظ الواردة على أسباب خاصة في وقائع وحوادث كثيرة من غير حاجة إلى قياس أو استدلال بدليل آخر. وكيف ينكر هذا؟ وأكثر أصول الشرع خرجت على أسباب خاصّة ، وبرغم خصوص تلك الأسباب قد فهموا من الألفاظ النازلة فيها حقيقة العموم ، ثم صاغوا من عموماتها كثيرا من الأصول. فاستدلوا بآية السرقة على وجوب قطع كل يد مع أنها نازلة في خصوص سرقة المجنّ أو رداء صفوان. واحتجوا بآيات الظهار على وجوب الكفارة المذكورة فيها والعمل بأحكامها على كل من ظاهر ، مع أنها نازلة في خصوص من عرفت قبل. وكذلك برهنوا بآيات اللعان على شمول حكمه لكل من قذف زوجته ولم يكن معه شهود على حين أنها نازلة في خصوص من ذكرنا سابقا.
ويمكن أن تنظم من هذا الدليل قياسا اقترانيا نصه : عموم اللفظ الوارد على سبب خاص قد اعتبره الصحابة والمجتهدون ، وكل ما كان كذلك فهو المعتبر. فعموم اللفظ الوارد على سبب خاص هو المعتبر.
ويمكن أن تنظم منه دليلا استثنائيا نصه : لو لم يكن عموم اللفظ الوارد على سبب خاص هو المعتبر ، لما اعتبره الصحابة والمجتهدون ، لكن التالى باطل فبطل المقدم ، ثبت نقيضه ، وهو المطلوب.
ملاحظة :
لا يبعد عليك أن تستدل للمقدّمات الصغرى والكبرى في الأقيسة الاقترانية التى ذكرناها ، خصوصا بعد أن تنظر فيما نثرناه قبلها من عرض الأدلة بالأسلوب المألوف الخالى من القيود الشكلية ، فى الاصطلاحات المنطقية.