ولعل ثمرة هذا الخلاف ترجع إلى أمرين : «أحدهما» أن الحكم على أفراد غير السبب مدلول عليه بالنصّ النازل فيه عند الجمهور. وذلك النص قطعىّ المتن اتفاقا ، وقد يكون مع ذلك قطعى الدلالة. أما غير الجمهور فالحكم عندهم على غير أفراد السبب ليس مدلّلا عليه بذلك النص ، بل بالقياس أو الحديث المعروف ، وكلاهما غير قطعى.
«الثانى» أن أفراد غير السبب كلّها يتناولها الحكم عند الجمهور ، ما دام اللفظ قد تناولها. أما غير الجمهور فلا يسحبون الحكم إلا على ما استوفى شروط القياس منها دون سواه إن أخذوا فيه بالقياس.
٩ ـ أدلة الجمهور
استدل الجمهور على مذهبهم بأدلة ثلاثة : «الأول» أننا نعلم أن لفظ الشارع وحده هو الحجة والدليل دون ما احتفّ به من سؤال أو سبب ؛ فلا وجه إذن لأن نخصّص اللفظ بالسبب. وكيف يسوغ أن نجعل ما ليس حجة في الشرع متحكّما بالتخصيص على ما هو الحجة في الشرع؟
والدليل على أن لفظ الشارع وحده هو الحجة أن الشارع قد يصرف النظر عن السؤال ، ويعدل بالجواب عن سنن السؤال لحكمة ، نحو قوله تعالى في سورة البقرة : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ؟ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) فإن ظاهر هذه الآية أن النبى صلىاللهعليهوسلم سئل عن بيان ما ينفقونه ؛ فجاء الجواب ببيان من ينفقون عليهم. وذلك من أسلوب الحكيم ؛ لأن معرفة مصارف النفقة والصدقة أهم من معرفة المصروف فيهما ، فإن إصلاح الجماعة البشرية لا يكون إلا عن طريق تنظيم النفقة والإحسان ، على؟؟؟ توجيههما إلى المستحقين دون سواهم. وهذا وجه في الآية نراه وجيها ،