غيرها. وتارة لا يصرّح بلفظ السبب ولكن يؤتى بفاء داخلة على مادّة نزول الآية عقب سرد حادثة ، وهذه العبارة مثل تلك في الدلالة على السببية أيضا. ومثاله رواية جابر الآتية قريبا ومرة يسأل الرسول ، فيوحى إليه ويجيب بما نزل عليه ولا يكون تعبير بلفظ سبب النزول ، ولا تعبير بتلك الفاء ، ولكن السببية تفهم قطعا من المقام ، كرواية ابن مسعود الآتية عند ما سئل النبى صلىاللهعليهوسلم عن الروح. وحكم هذه أيضا حكم ما هو نصّ في السببية. ومرة أخرى لا يصرّح بلفظ السبب ولا يؤتى بتلك الفاء ، ولا بذلك الجواب المبنى على السؤال ، بل يقال : نزلت هذه الآية في كذا (مثلا). وهذه العبارة ليست نصّا في السببية ، بل تحتملها وتحتمل أمرا آخر ، هو بيان ما تضمّنته الآية من الأحكام. والقرائن وحدها هى التى تعيّن أحد هذين الاحتمالين أو ترجّحه.
ومن هنا نعلم أنه إذا وردت عبارتان في موضوع واحد : إحداهما نصّ في السببية لنزول آية أو آيات ، والثانية ليست نصا في السببية لنزول تلك الآية أو الآيات هنالك نأخذ في السببية بما هو نصّ ، ونحمل الأخرى على أنها بيان لمدلول الآية ، لأن النص أقوى في الدلالة من المحتمل.
مثال ذلك : ما أخرجه مسلم عن جابر قال : كانت اليهود تقول «من اتى امرأة من دبرها (فى قبلها) جاء الولد أحول» ، فأنزل الله : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ، وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ ، وَاتَّقُوا اللهَ ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ ، وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) من سورة البقرة ... وما أخرجه البخارى عن ابن عمر قال : (أنزلت (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) فى إتيان النساء في أدبارهنّ).
فالمعول عليه في بيان السبب هى رواية جابر الأولى ، لأنها صريحة في الدلالة على السبب وأما رواية ابن عمر فتحمل على أنها بيان لحكم إتيان النساء في أدبارهن وهو التحريم. استنباطا منه.