أما إذا كان الاختلاف دائرا بين عبارتين أو عبارات ليس شىء منها نصّا ، كان يقول بعض المفسرين : نزلت هذه الآية في كذا. ويقول الآخر : نزلت في كذا «ثم يذكر شيئا آخر غير ما ذكره الأول» ، وكان اللفظ يتناولهما ، ولا قرينة تصرف إحداهما إلى السببية ، فإن الروايتين كلتيهما تحملان على بيان ما يتناوله اللفظ من المدلولات.
ولا وجه لحملهما على السبب.
وأما إذا كان الاختلاف دائرا بين عبارتين أو عبارات كلها نصّ في السببية ، فهنا يتشعّب الكلام. ولنفرده بعنوان :
٥ ـ تعدّد الأسباب والنازل واحد
إذا جاءت روايتان في نازل واحد من القرآن ، وذكرت كلّ من الروايتين سببا صريحا غير ما تذكره الأخرى ، نظر فيهما. فإما أن تكون إحداهما صحيحة ، والأخرى غير صحيحة. وإما أن تكون كلتاهما صحيحة ولكن لإحدهما مرجّح دون الأخرى. وإما أن تكون كلتاهما صحيحة ، ولا مرجّح لإحداهما على الأخرى ، ولكن يمكن الأخذ بهما معا. وإما أن تكون كلتاهما صحيحة ، ولا مرجّح ، ولا يمكن الأخذ بهما معا. فتلك صور أربع ، لكلّ منها حكم خاصّ نسوقه إليك :
«أما الصورة الأولى» ـ وهى ما صحّت فيه إحدى الروايتين دون الأخرى ـ فحكمها الاعتماد على الصحيحة في بيان السبب. وردّ الأخرى غير الصحيحة. مثال ذلك ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن جندب قال : «اشتكى النبىّ صلىاللهعليهوسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين ، فأتته امرأة فقالت : يا محمد ، ما أرى شيطانك إلّا قد تركك» فأنزل الله : (وَالضُّحى ، وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ، ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى). وأخرج الطبرانىّ وابن أبى شيبة ، عن حفص بن ميسرة عن أمه عن أمها وكانت