فصل
قوله تعالى (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) تمدح سبحانه بالإجماع وبما يقتضيه سياق الآية بنفي إدراك الأبصار الذي هو رؤيتها وهذا التمدح راجع إلى ذاته لأن الإدراك ليس بمعنى فيتمدح بأن لا يفعله على سبيل التفضيل وكل ما تمدح بنفيه على هذا الوجه لا يكون إثباته إلا نقصا وموجبا ذما وهو يتعالى عما يوجب الذم والنقص ألا ترى أنه تعالى لما تمدح بنفي الصاحبة والولد والسنة والنوم في قوله (مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً) و (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) لم يجز إثبات شيء من ذلك في حال من الأحوال لاقتضائه الذم والنقص كذلك هاهنا يوضح ذلك أن قبل الآية (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) فتمدح سبحانه بما تضمنته هذه الآيات من صفاته على حد واحد لا يختلف فيه الحال وكل ما كان نفيه مدحا فلا يكون إثباته إلا ذما عند أهل اللسان الرِّضَا ع لَا تُدْرِكُهُ أَوْهَامُ الْقُلُوبِ فَكَيْفَ تُدْرِكُهُ أَبْصَارُ الْعُيُونِ.الصَّادِقُ ع أَيْ إِحَاطَةُ الْوَهْمِ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ (قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) يُقَالُ فُلَانٌ بَصِيرٌ بِالدَّرَاهِمِ وَالثِّيَابِ وَالْجَوَارِحِ وَالْأَشْعَارِ.أَبُو جَعْفَرٍ الثَّانِي ع أَوْهَامُ الْقُلُوبِ أَدَقُّ مِنْ أَبْصَارِ الْعُيُونِ أَنْتَ قَدْ تُدْرِكُ بِوَهْمِكَ الْبُلْدَانَ الَّتِي لَمْ تَدْخُلْهَا وَلَا تُدْرِكُهَا بِبَصَرِكَ فَأَوْهَامُ الْقُلُوبِ لَا تُدْرِكُهُ فَكَيْفَ تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ.الصاحب :
قالت فقل لي أبالأبصار تدركه |
|
فقلت جل عن الأبصار بالعقل |
أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ النَّبِيِّ ع قَالَ يَا مَنْ يَرَى وَلَا يُرَى وَهُوَ بِالْمَنْظَرِ الْأَعْلَى. وكَتَبَ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ الثَّالِثِ ع يَسْأَلُهُ عَنِ الرُّؤْيَةِ فَكَتَبَ جَوَابَهُ لَيْسَ تَجُوزُ الرُّؤْيَةُ مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الرَّائِي وَالْمَرْئِيِّ هَوَاءٌ يَنْفُذُهُ الْبَصَرُ فَمَتَى انْقَطَعَ الْهَوَاءُ وَعَدِمَ الضِّيَاءُ لَمْ تَصِحَّ الرُّؤْيَةُ وَفِي وُجُوبِ اتِّصَالِ الضِّيَاءِ بَيْنَ الرَّائِي وَالْمَرْئِيِّ هَوَاءٌ يَنْفُذُهُ الْبَصَرُ وَاللهُ يَتَعَالَى عَنِ الْأَشْبَاهِ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ الرُّؤْيَةُ بِالْأَبْصَارِ. وقِيلَ لِلرِّضَا ع إِنَّ رَجُلاً رَأَى رَبَّهُ فِي مَنَامِهِ فَمَا يَكُونُ ذَلِكَ فَقَالَ ذَاكَ الرَّجُلُ رَجُلٌ لَا دِينَ لَهُ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُرَى فِي الْيَقَظَةِ وَلَا فِي الْمَنَامِ وَلَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ.أَبُو سَعِيدٍ الْوَاعِظُ فِي رِجَالِ الصُّوفِيَّةِ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع سَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي