بالذكر بعد ذكره الخلق دل على أن الأمر ليس بمخلوق باطل لقوله (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) ولو كان كذلك لوجب ألا يكون جبريل وميكال من الملائكة ونظيره (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ).
قوله سبحانه :
(شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) الظاهر أنه أنزل الجميع فيه وقد أنزله في عدة أوقات فالجواب أنه أنزله جملة واحدة إلى سماء الدنيا في شهر رمضان ثم فرق إنزاله بعد ذلك بحسب ما تدعو الحاجة إليه وقالوا أنزل في فرضه وإيجاب صومه على الخلق فيكون فيه معنى في فرضه كقول القائل أنزل الله في الزكاة كذا وكذا يريد في فرضها وأنزل الله في الخمر كذا وكذا أي في تحريمها والصحيح أن قوله القرآن في هذا الموضع لا يفيد العموم والاستغراق وإنما يفيد الجنس من غير معنى الاستغراق فكأنه تعالى قال ـ شهر رمضان الذي أنزل فيه كلام من هذا الجنس فأي شيء نزل منه في الشهر فقد طابق الظاهر.
قوله سبحانه :
(كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ) وقوله (وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً) مجاز الآية ليس على أنه متشابه في لون أو طعم بل في الفضل كما نقول ما أدري ما أختار من هذه الثياب كلها عندي فاضل
فصل
قوله تعالى (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) وقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ لِلطَّاقِي أَتَزْعَمُ أَنَّهُ غَنِيٌّ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَيَكُونُ الْغِنَي عِنْدَكَ فِي الْمَعْقُولِ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ لَيْسَ عِنْدَهُ ذَهَبٌ وَلَا فِضَّةٌ قَالَ إِنْ كَانَ غَنِيّاً مِنْ قِبَلِ ذَهَبِهِ وَفِضَّتِهِ وَتِجَارَتِهِ فَهَذَا كُلُّ مَا يَتَعَامَلُ النَّاسُ بِهِ مِنْهُ فَأَيُّ الْقِيَاسِ أَكْثَرُ وَأَوْلَى مِنْ أَنْ يُقَالَ غَنِيٌّ مَنْ أَحْدَثَ الْغِنَى فَأَغْنَى بِهِ النَّاسَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ أَوْ مَنْ أَفَادَ مَالاً فِي هِبَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ فَقَالَ