فصل
قوله تعالى (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) إنه ذكر عن نفس الآيات وليس للإيمان فيها ذكر والآيات في الدلائل والكتاب والأمور الماضية وأصلها العلامة صرفهم عن ثواب النظر في آيات الله المستحق صاحبها الثواب ويعني بالآيات الأدلة ومعجزات الأنبياء (وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) وأراد صرفهم عن زيادة المعجزات بعد ما تقدم من آيات الأنبياء لأنه تعالى إنما يظهرها إذا علم أنه يؤمن عندها من لم يؤمن بما تقدم من الآيات ويكون الصرف إما بأن لا يظهرها جملة أو بأن يصرفهم عن مشاهدتها وإذا صرفهم عنها فقد صرفها عنهم وإن بعض الجهال في زمانه ع اعتقدوا جواز المعجزات على يد الكفار المذكورين فأكذبهم الله بذلك وصرف من رام المنع من أداء آياته لأن من الواجب على الله تعالى أن يحول بين من رام ذلك وبينه لأنه ينقض الغرض في البعثة (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فتكون الآيات القرآن ونحوه والصرف هاهنا الحكم والتسمية والشهادة ومن شهد على غيره بالانصراف عن شيء فجائز أن يقال صرفه عنه كما قال (ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) يوافقه قوله (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) ولما علم الله تعالى أن الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق سيصرفون عن النظر في آياته والإيمان بها إذا أظهرها على أيدي رسله جاز أن يقول (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ) فيريد سأظهر ما ينصرفون بسوء اختيارهم عنه يقول سأبخل فلانا وسأخطيه أي أسأله ما يبخل ببذله وأمتحنه بما يخطئ فيه والصرف هو المنع من إبطال الآيات والقدح فيها بما يخرجها أن تكون حججا وإن الله تعالى لما وعد موسى ع وآمنه بإهلاك عدوهم قال (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ).
قوله سبحانه :
(ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) لم يقل فصرف على سبيل الحكم والخبر إذ لو كان على ذلك لأدخل عليه الفاء وإنما قال على سبيل الدعاء عليهم كقولك خرج زيد لعنه الله ولو كان ذلك خبرا لقال فلعنه الله وإنه لم يذكر المصروف عنه والمصروف عنه محذوف غير مذكور وإن ذلك كالجزاء على انصرافهم لأن انصرافهم كفر ولا يجوز أن يجعل الجزاء عليه كفرا آخر بيت :وكل امرئ يجزى بما كان ساعيا آخر:
كل امرئ في رشده وغيه |
|
وإنما يجزى بقدر سعيه |