قوله سبحانه :
(وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) لا تعلق للخصم فيه لأنهم لما عدلوا عن الحق جعلت الأكنة على قلوبهم والوقر في آذانهم عقوبة لهم لاختيارهم ذلك وأنه قال (أَنْ يَفْقَهُوهُ) ولم يقل لئلا يفقهوه وهذا عدول عن الظاهر والكن على القلب والوقر في الأذن غير مانعين من الإيمان لأن الغطاء المسمى الخلب هو في البطن وله غطاء والصم آكد من الوقر وقد يؤمن الأصم ولا مانع هناك لقوله (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا) ونحوها.
قوله سبحانه :
(لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ. وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا) الآية المنع من الإيمان لا يصح على مذهبهم وإنما صح على مذهب من قال بالاختيار والجري على الظاهر غير موجب المنع من الإيمان لأن المغلول والمأخوذ عليه يؤمن وما ذكره جرى على جهة الذم لهم والتوبيخ وإنهم من حيث أعرضوا عن الإيمان لم ينتفعوا بالآيات الدالة على الحق يشهد بذلك قوله عقيب الآية بلا فصل (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) وعقيب الآية الثانية (وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً) ثم إن المراد بهذه الآيات وصف حالهم في الآخرة فقوله في الأغلال والسلاسل كقوله (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) وقوله (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ) وقال السدي (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ) إلى قوله (مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) قال (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) قال السدي إن ناسا من قريش هموا بقتل النبي ع فلما جاءوه جعلت أيديهم إلى أعناقهم فلم يستطيعوا أن يبسطوا إليه يده وقال قوم حال الله بينهم وبين ما أرادوه فعبر عن ذلك بأنه (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ) وقوله (فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) أي بظلمة الليل فهم لا يبصرون النبي ع كما قال (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً).
قوله سبحانه :
(عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) ليس فيها أنه