الختم في الشاهد غير مانع من الإيمان لأنه يفك المختوم من الكتب والتكيس ويحمل منه وإنما هو علامة يعرف بها تناول المختوم عليه والمختوم على قلوبهم إما أن يكونوا قادرين على الإيمان قبل الختم أو غير قادرين فإن كانوا غير قادرين استحال المنع وإن كانوا قادرين عليه قبل فهم في حال الختم قادرين وقيل (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) أي يشهد عليها بأنها لا تقبل الحق يقول القائل أراك تختم على كل ما يقوله فلان أي تشهد به وتصدقه وقد ختمت عليك بأنك لا تعلم أي شهدت وقيل (خَتَمَ اللهُ) إخبار عن تكبرهم وإعراضهم عن الاستماع لما دعوا إليه من الحق كما يقول فلان أصم عن هذا الكلام إذا امتنع عن سماعه ورفع نفسه عن تحمله ويحتمل أن يكون المراد بختم سيختم ويكون الماضي بمعنى المستقبل كقوله (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ) وقيل المعنى في ذلك أنه ذمهم بأنها كالمختوم عليها في أنه لا يدخلها الإيمان ولا يخرج عنها الكفر. قال الشاعر :
لقد أسمعت لو ناديت حيا |
|
ولكن لا حياة لمن تنادي. |
قوله سبحانه :
(بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها) وقوله (طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) وقيل معناه إن الله تعالى يجعل نكتة سوداء في قلب المنافق والكافر لتكون علامة للملائكة يعرفون بها أنه ممن لا يفلح أبدا وقيل أي طبع فيها أثر الذنوب لتعرفها الملائكة فيتبرءوا منهم ولا يبالوهم يستغفروا لهم وقيل المراد بذلك الذم لها بأنها كالمطبوع عليها فلا يدخلها خير ولا ينتفي عنها شر وحال الذم تقتضي صفات المدح قال جرير :
السم خير من ركب المطايا |
|
وأندى العالمين بطون راح |
وبعد فإن الطبع وقع بنفس الكفر فقال (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) والخصم لا يقول بذلك ويكون معنى الطبع والختم العلامة المميزة بين الكافر والمؤمن والمنع أنما يصح في القادر لأن من ليس بقادر على الشيء غير معقول.
قوله سبحانه :
(إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً. وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ) الربط هو الشد في الأصل ولا تعلق بذلك في باب الإيمان وليس فيه ما به ربط على قلوبهم وإنما فيه الإخبار عن الربط.