معناه أنه لو شاء أن يدخلهم أجمعين الجنة فيكونوا في وصول جميعهم إلى النعم أمة واحدة (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) في الدين والذهاب عن الحق فيه وقال أبو مسلم معنى مختلفين أي إن خلف هؤلاء الكافرين يخلف سلفهم في الكفر كما قال (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً) وبهذا الاختلاف يريده الله تعالى.
قوله سبحانه :
(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ) إنما يقتضي إثبات قدرته على تكوين ذلك الشيء وأنه لو شاء أن يؤمن الكل على سبيل الجبر لآمنوا كما قال (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) وقد دل على أن المراد به الإكراه قوله (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) معناه أنه لا ينبغي أن يريد إكراههم لأن الله تعالى يقدر عليه ولا يريده لأنه ينافي التكليف ابن عباد :
ولو أراد ربنا أن يشتما |
|
وفعل الشاتم ما قد حتما |
لكان فيه طائعا قد علما |
|
وكان من عذبه قد ظلما |
قوله سبحانه :
(وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) لا خلاف أنه قادر على هداية الجميع وأنه لو شاء أن يفعله لفعله والنزاع في كيفية ما به يهديهم من جبر أو اختيار والهداية في الآية الثواب يدل عليه عقيبه (وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) فبين أنه قادر على ذلك ولو شاء لنجى الجميع ولكن وجب فيه أن يملأ جهنم منهم لاستحقاقهم ويحتمل أن يريد النجاة لقوله فيما قبل ذلك (رَبَّنا أَبْصَرْنا) فبين أنهم سألوا ردهم بعد ما عاينوا ما كانوا يوعدون فقال (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) يعني طلبتها وما يتوصل به إلى نجاتها.
قوله سبحانه :
(وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ) قال الحسن وقتادة لتركناهم والطمس محو الشيء حتى يذهب أثره والطمس على العين إذهاب الشق الذي بين الجفنين والطمس على المال إذهابه والطمس على الكتاب إمحاؤه وطمس الريح الأثر وهذا بيان من الله تعالى أنهم في قبضته وهو قادر على ما يريد بهم فليحذروا تنكيله بهم ثم قال