فصل
قوله تعالى (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) تعلقهم بذلك فاسد لأن التدلي في أول الآية أنما هو النزول لا الصعود يقال أدليت الدلو وتدلى الشيء وتدليت من السطح قوله (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً) أي نزولا ليعلم أن تدلي بمعنى النزول ولو لم يكن كذلك لم يصح قوله (نَزْلَةً أُخْرى) والأول ليس بنزلة وقوله (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) يوجب أنه رآه مرتين وليس ذلك مذهبهم وقوله (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ) ولو كان كما زعموا لقال ربه وقد فسر المخالفون قوله (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) أنه في الدنيا وعندنا أنه في الدنيا والعقبى فعلى قول الجميع لا يجوز أن رآه أحد في الدنيا فكيف يفسر آية بما يبطل هذه الآية ونمط الآية يبطل قولهم كما قال (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) فبين أنه وحي والموحي إليه إنما هو جبريل وبين أنه (شَدِيدُ الْقُوى ذُو مِرَّةٍ) أي عقل (فَاسْتَوى) أي عقل (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) يعني بالسماء العليا (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) أي نزل (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) أي كان جبريل من محمد على هذا المقدار (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) يعني جبريل إلى النبي ع (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) لم يكن فيما رأى شبهة يرتاب بها بل كانت رؤية صحيحة وهذه كلها من صفات الأجسام ثم قال (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) يعني بها (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) وزعموا أن السدرة في الجنة فيجب أن يكون رآه في الجنة فتارة يقولون إنه رآه على العرش وتارة يقولون إنه رآه في الجنة على أنه لم يقل في الجنة ولكن قال (عِنْدَها) ومعنى ذلك كقوله (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) ثم قال (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) أي لم يزغ في رؤيته ولم يكن فيه مخطئا ثم قال (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) فبين أنه رأى الكبرى من آيات ربه (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) الآية بين أنه لا يجوز أن يكلم أحد إلا على هذه الوجوه الثلاثة فلا يجوز أن يكلمهم مخاطبة ومشافهة وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ مَسْرُوقٌ دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ فَقَالَتْ لَقَدْ تَكَلَّمْتَ بِشَيْءٍ وَقَفَ لَهُ شَعْرِي فَقُلْتُ رُوَيْداً ثُمَّ قَرَأْتُ (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) فَقَالَتْ أَيْنَ يُذْهَبُ بِكَ إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ ثُمَّ قَالَتْ بَعْدَ كَلَامِهِ لَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ لَمْ يَرَهُ فِي صُورَتِهِ إِلَّا مَرَّتَيْنِ مَرَّةً عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَمَرَّةً فِي أَجْيَادٍ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ.أَبُو ذَرٍّ سُئِلَ رَسُولُ اللهِ ص أَرَأَيْتَ رَبَّكَ فَقَالَ ع أَنُورٌ أَنْ أَرَاهُ.ابن عباس (ما كَذَبَ