الآية» : «اعلم أنّ من شرط التّوبة النّدم على ما مضى من القبيح والعزم على
ان لا يعود الى مثله في القبح فانّ هذه التّوبة أجمع المسلمون على سقوطه عندها.
ثمّ قال : وقبول التّوبة وإسقاط العقاب عندها تفضّل من الله غير واجب عليه عندنا
وعند جميع المعتزلة واجب وقد وعد الله بذلك وان كان تفضّلا وعلمنا انّه لا يخلف
الميعاد».
ولا يذهب عليك
أنّ آخر كلامه يدلّ على أنّ سقوط العقاب عندها واجب سمعا وهو كذلك لأنّه تعالى
وعده فيجب الوفاء به وهذا لا ينافي قول المحقّق الطّوسي في التّجريد بعدم وجوب
سقوط الذّنب عند التّوبة لأنّ مراده بعدم الوجوب عدم الوجوب عقلا فلا ينافيه
الوجوب السّمعيّ.
لا يقال : قوله
تعالى في سورة براءة (ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ
مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ) الآية» صريح في عدم وجوب القبول سمعا فكيف دعوى الإجماع
عليه.
لأنّا نقول :
ليس في الآية تصريح بانّ ذلك مع التّوبة بل الظّاهر منها انّه تعالى يعفو الذّنب
ممّن يشاء إذا لم تصدر منه التّوبة كقوله تعالى (وَيَغْفِرُ ما دُونَ
ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) فلا ينافي وجوب السّقوط عندها من جهة النّقل. امّا
التّوبة عن قبيح مع الإقامة على قبيح آخر يعلم أو يعتقد قبحه فقد نسب في مجمع
البيان صحّتها الى أكثر المتكلّمين وعدم الصحّة الى أبي هاشم وأصحابه.
ويدلّ على
الأوّل : أنّ التّوبة إذا كانت عبارة عن النّدم على القبيح والعزم على عدم العود
اليه فيجوز أن يقع ذلك في الكلّ والبعض ودليل القبول كما يجري في الكل يجري في
البعض أيضا.
وما يقال : إنّ
شرط التّوبة النّدم على القبيح والعزم على عدم العود اليه لكونه قبيحا وذلك انّما
يتأتّى مع ترك الجميع ولا يتحقّق عن البعض دون البعض فمدفوع بأنّه على تقدير تسليم
الشّرطيّة لا منافاة بين كون القبيح سببا للتّرك والنّدامة عن البعض دون البعض ألا
ترى انّ الواجبات مشتركة في الحسن ولا يقال لمن فعل