من الكبد وهناك يحصل الهضم الثّالث.
وبين الكبد
والضّرع عروق كثيرة فينصبّ الدّم في تلك العروق الى الضّرع وهو لحم غددي رخوا بيض
فيقلب الله الدّم هناك إلى صورة اللّبن.
ثمّ إنّه تعالى
أحدث في حلمة الثّدي ثقوبا صغيرة يخرج اللّبن الخالص منها وقت المصّ أو الحلب فهو
بمنزلة المصفاة للّبن يخرج الطّيب الخالص منها ويبقى الكثيف فبهذا الطّريق يصير
خالصا لا يشوبه الدّم ولا يستصحبه رائحة الكرش والفرث.
(سائِغاً
لِلشَّارِبِينَ) سهل المرور في الحلق حتّى قيل : انّه لم يغص باللّبن
قطّ فسبحان الله ما أعظم قدرته وأبدع صنعته وألطف حكمته. وفيها دلالة على اباحة
لبن الانعام والحثّ على الاعتبار بها.
وقد احتجّت
الشّافعيّة الذاهبة إلى طهارة المنى على الحنفيّة الذاهبة إلى نجاسته بسبب جريه في
مسلك البول بهذه الآية قالوا : وليس بمستنكر أن يسلك مسلك البول وهو طاهر كما خرج
اللّبن من بين الفرث والدّم وهو طاهر.
وما ذكروه من
كون السلوك لا يوجب التّنجيس صحيح والسّرّ فيه أنّ المسلك من البواطن ولا حكم لها
في النّجاسة وإلّا لم يصحّ صلاة أحد لعدم خلوّ النّجاسة من بواطنه وهو ظاهر وصرّح
بذلك أصحابنا أيضا.
ولكنّ الظّاهر
أنّ النّجاسة عند الحنفيّة ليس لسلوكه مسلك البول بل لاخبار أوجبت النّجاسة كما
يعلم من محلّه وقد انعقد إجماع علمائنا على النّجاسة وتظافرت النّصوص الواردة عن
أصحاب العصمة عليهمالسلام بذلك كما يظهر لمن راجع كتبهم.
(وَمِنْ ثَمَراتِ
النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ) متعلّق بمحذوف على حذف مضاف أو بإرادته منه مجازا اى
ونسقيكم من عصيرهما وليس متعلّقا بنسقيكم المذكور ولا المقدّر المعطوف إذ يلزم
كونه بيانا لعبرة الأنعام وهو غير ملائم ويحتمل أن يتعلّق بقوله : (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً) ويكون منه تكرارا للتّأكيد كقولك : زيد في الدار