وقد فصّل الكلام الاستاذ النجّار عن هذا الاختلاف الفاحش ، وأبان مواضع التناقض والتهافت بين الأناجيل بشأن قصّة الصلب ، قال : لم تختلف الأناجيل الأربعة في مسألة من المسائل كاختلافها في تفصيل مسألة صلب المسيح وقتله. (١)
قال : إنّ أدنى نظر يهدي إلى أنّ عبارات هذه الأناجيل الأربعة متخالفة وشهادتها لا تصلح أن تكون مستندا يثبت به أمر له من الأهمية مثل ما لمسألة صلب المسيح التي يدّعيها المسيحيّون ويجعلونها أساس إيمانهم :
١ ـ أنّ «متّى» يقول : إنّ يسوع جاء مع تلاميذه إلى قرية «جثيماني». ووافقه «مرقس». وخالفهما «لوقا» وقال : إلى جبل الزيتون. وقال «يوحنّا» : عبر وادى «قدرون».
٢ ـ وقال «متّى» : ثم أخذ معه «بطرس» وابني «زبدى» وابتدأ يحزن ويكتئب. ووافقه «مرقس». وخالف «لوقا» في ذلك وذكر أنّه انفصل عنهم رمية حجر وصار يصلّي. وأسقط «يوحنا» هذه العبارة.
٣ ـ ذكر «متّى» أنّه قال لمن معه : «نفسي حزينة حتّى الموت ، امكثوا هاهنا واسهروا معي» ثم راجعهم فوجدهم نياما وهكذا للمرّة الثانية والثالثة فأنبأهم للمرّة الثالثة أنّ «ابن الإنسان» ـ يعني نفسه ـ سلم إلى أيدي خطاة. ثم قال : قوموا نتطلّق هو ذا الذي يسلمني قد اقترب. وعبارة «مرقس» توافق عبارة «متّى» في المعنى.
وأمّا «لوقا» فزاد : أنّ ملكا من السماء نزل إلى المسيح يقويه ، وأنّه كان يصلّي بأشدّ لجاجة وصار عرقه كقطرات دم. وأسقط مجيئه إلى التلاميذ للمرّة الثالثة.
وأمّا «يوحنا» فقد أسقط ذلك كلّه ولم يذكر شيئا منه. وهو أحد الثلاثة الذين انفرد بهم يسوع عن سائر التلاميذ ، وهو دليل على عدم حصول شيء من ذلك.
٤ ـ قال «متّى» : وفيما هو يتكلّم إذا يهوذا أحد الاثني عشر قد جاء ومعه جمع كثير بسيوف وعصيّ من عند رؤساء الكهنة وشيوخهم وشيوخ الشعب. والذي سلّمه أعطاهم علامة قائلا : هو هو امسكوه. فللوقت تقدّم إلى يسوع وقال : السلام عليك يا سيّدي وقبّله ،
__________________
(١) راجع : قصص الأنبياء للنجّار ، ص ٤٣٣ ـ ٤٥٢.