قد جاء «المنحمنّا» هذا الذي يرسله الله إليكم من عند الربّ روح القدس ، وهذا الذي من عند الربّ خرج ، فهو شهيد عليّ وأنتم أيضا ، لأنّكم قديما كنتم معي. في هذا قلت لكم لكيما لا تشكّوا. (١)
وهذه العبارة الأخيرة أيضا جاءت في إنجيل يوحنّا ، هكذا : ومتى جاء «المعزّى» الذي سأرسله أنا إليكم من الأب روح الذي من عند الأب ينبثق ، فهو يشهد لي ، وتشهدون أنتم أيضا ، لأنّكم معي في الابتداء. (٢)
قال ابن إسحاق : والمنحمنّا بالسريانيّة : محمّد. وهو بالروميّة : البرقليطس صلىاللهعليهوآله.
انظر إلى هذه التطابق مع إنجيل يوحنّا قبل اثني عشر قرنا ، وكيف حصل التحريف في لفظه إلى «المعزّى» وغيره.
قصّة الصّلب
جاءت قصة صلب المسيح عليهالسلام والأسباب التي دعت إلى صلبه في الأناجيل مختلفة أشدّ الاختلاف ، فلا تكاد جزئية من الجزئيّات في أحدها تتحد مع الجزئية نفسها في إنجيل آخر.
ولمّا كانت هذه الأناجيل من تأليف أناس يدّعي المسيحيّون لهم الإلهام ويعتقدون خلوّها من الخطأ كان ينبغي أن تكون كتابهم في مثل هذه الحادثة المهمّة ـ التي هي مناط النجاة ودعاته الإيمان في نظرهم ـ متطابقة متوافقة ، بحيث لا يكون فيها اختلاف أصلا ، إذ النفس لا تطمئنّ إلى الأخذ بروايات جاءت بشأن قضيّة واحدة ، إذا اختلفت وتضارب بعضها مع البعض. الأمر الذي ينبئ عن عدم أمانة الراوي كلّ الأمانة ، وتزول الثقة بروايته ، فلم يجز التصديق بها في نظر الاعتبار.
__________________
ـ عملت بينهم أعمالا لم يعملها أحد غيري لم تكن لهم خطيئة. وأمّا الآن فقد رأوا وأبغضوني أنا وأبي. لكن لكي تتمّ الكلمة المكتوبة في ناموسهم : إنّهم أبغضوني بلا سبب ...».
(١) راجع : سيرة ابن هشام ، ج ١ ، ص ٢٤٨ ؛ والروض الأنف ، ج ١ ، ص ٢٦٤.
(٢) إصحاح ١٥ / ٢٦ ـ ٢٧.