يجعلوه ملكا ولا يعقل أن يهرب من أمر بعثه الله لأجله ، على ما بشّر جبرائيل أمّه العذراء قبل ولادته. ومعلوم أنّه لم يملك بيت يعقوب ساعة فضلا عن الأبد. (١)
يا اخت هارون؟
ويقول القاضي عبد الجبار في كتابه «تنزيه القرآن عن المطاعن» : وربما قيل في قوله تعالى : (يا أُخْتَ هارُونَ) : كيف يصحّ أن يقال لها ذلك وبينها وبين هارون أخي موسى الزمان الطويل؟ وجوابنا أنّه ليس في الظاهر أنّه هارون الذي أخو موسى ، بل كان لها أخ يسمّى بذلك ، واثبات الاسم واللقب لا يدلّ على أنّ المسمّى واحد. وقد قيل : كانت من ولد هارون ، كما يقال للرجل من قريش يا أخا قريش. (٢)
ويشرح المبشّرون هذه الناحية ويقولون : ورد في سورة مريم : (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا. يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا). (٣) يبدو من هذه الآية أنّ محمّدا كان يرى أنّ مريم كانت أخت هارون أخي موسى. وممّا يزيد هذا الأمر وضوحا وجلاء ما ورد في سورة التحريم ونصّه : (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ). (٤) وفي سورة آل عمران : (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً). (٥) فلا شكّ أنّ محمدا توهّم أنّ مريم أخت هارون التي كانت أيضا ابنة عمران (عمرام) هي مريم نفسها التي صارت أمّ يسوع (المسيح عيسى) بعد ذلك بنحو ألف وخمسمائة وسبعين سنة. وهذا خطأ جسيم ، لأنّه لم يقل أحد من اليهود أنّ مريم اخت هارون وابنة عمران بقيت على قيد الحياة إلى أيّام المسيح. (٦)
هكذا وهم تسدال ومن حذا حذوه من المبشّرين! لكنّه وهم فاحش ، إذ كيف يمكن أن يخفى مثل هذا الفصل البيّن بين موسى والمسيح عليهماالسلام على العرب العائشين في
__________________
(١) قصص الأنبياء للنجّار ، ص ٣٧٧ ـ ٣٧٨.
(٢) تنزيه القرآن عن المطاعن للقاضى عبد الجبار ، ص ٢٤٧.
(٣) مريم ١٩ : ٢٧ ـ ٢٨.
(٤) التحريم ٦٦ : ١٢.
(٥) آل عمران ٣ : ٣٥.
(٦) مصادر الإسلام ، ص ١٠٢ ـ ١٠٤ ؛ والفنّ القصصي ص ٥٧ ـ ٥٨.