جوار اليهود وبين أظهرهم طيلة قرون ، وكذا مراودتهم مع نصارى نجران والأحباش ، فضلا عن نبيّ الإسلام النابه البصير ، ليتصوّر من مريم أمّ المسيح هي مريم أخت موسى وهارون!
إذ من يعرف أنّ لموسى وهارون أختا اسمها مريم ، لا يمكنه الجهل بهذا الفصل الزمني بين مريمين!
ثمّ كيف يسكت اليهود ـ وهم ألدّ أعداء الإسلام ـ على هذا الخطأ التاريخي الفاحش ولم يأخذوه شنعة على القرآن والإسلام؟
هذا وقد وقع التساؤل عن هذا التشابه على عهد الرسول صلىاللهعليهوآله على ما نقله السيّد رضيّ الدين ابن طاوس عن كتاب «غريب القرآن» لعبد الرحمن بن محمد الأزدي الكوفي (من كبار رجال القرن الثالث) بإسناده إلى المغيرة بن شعبة ، قال : بعثني رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى أهل نجران ، فقالوا : أرأيت ما تقرءون «يا أخت هارون» ، وهارون أخو موسى ، بينه وبين عيسى المسيح بكذا وكذا؟ قال : فرجعت وذكرت ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : ألا أخبرتهم (أو قلت لهم) أنّهم كانوا يسمّون بالأنبياء والصالحين قبلهم! (١)
وهكذا أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبّان والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن المغيرة بن شعبة ... الحديث. (٢)
نعم وهمت عائشة أنّها أخت هارون أخي موسى ، فنبّهها كعب الأحبار بأنّها غيرها ، والفصل الزمني بينهما كبير. وإنّما هو من تشابه الأسماء ، فرجعت عن زعمها. (٣)
وذكر كعب أنّ الفصل الزمني بينهما ستّمائة سنة. ولعلّه من حذف الألف في نقل الرواة.
إذن لم يكن ذلك خافيا على أهل النباهة ذلك العهد وهكذا طول عهد الإسلام ،
__________________
(١) سعد السعود ، ص ٢٢١.
(٢) الدرّ المنثور ، ج ٥ ، ص ٥٠٧.
(٣) فيما رواه ابن سيرين. راجع : الدر المنثور ، ج ٥ ، ص ٥٠٧.