كان الصباح أنّه صارت رعود وبروق وسحاب ثقيل على الجبل وصوت بوق شديد جدّا ، فارتعد كلّ الشعب الذي في المحلّة. وأخرج موسى الشعب من المحلّة لملاقاة الله ، فوقفوا في أسفل الجبل. وكان جبل سيناء كلّه يدخن من أجل أنّ الربّ نزل عليه بالنار ، وصعد دخانه كدخان الأتون وارتجف كلّ الجبل جدّا ، فكان صوت البوق يزداد اشتدادا جدّا. موسى يتكلّم والله يجيب بصوت. (١)
ثمّ جاء فيه بعد ذلك :
وكان جميع الشعب يرون الرعود والبروق وصوت البوق والجبل يدخن ، ولمّا رأى الشعب ارتعدوا ووقفوا من بعيد ، وقالوا لموسى : تكلّم أنت معنا ، فنسمع ولا يتكلّم معنا الله لئلّا نموت. (٢)
* * *
أمّا اقتلاع الجبل من أصله وبرمّته ورفعه في السماء فوق رءوسهم فهذا ما لم يذكره القرآن ولا جاء في رواية معتمدة عندنا ، وإنّما هو شيء جاء في روايات إسرائيلية عامّية اغترّ بها بعض المفسّرين من غير تحقيق (٣) ففي الدّرّ المنثور : عن قتادة «وإذ نتقنا الجبل ...» قال : انتزعه الله من أصله ثم جعله فوق رءوسهم ، ثم قال : لتأخذنّ أمرى أو لأرمينّكم به ...
قال محمّد رشيد رضا : شايع الاستاذ الإمام [محمّد عبده] المفسّرين على أنّ رفع الطور كان آية كونية ، أي أنّه انتزع من الأرض وصار معلّقا فوقهم في الهواء. وهذا هو المتبادر من الآية بمعونة السياق ، وإن لم تكن ألفاظها نصّا فيه.
وقال في وجه عدم نصّية القرآن في ذلك : إنّ أصل النتق ـ في اللغة ـ الزعزعة والزلزلة وأمّا الظلّة فكلّ ما أظلّك وأطلّ عليك سواء كان فوق رأسك أو في جانبك مرتفعا له ظلّ. فيحتمل أنّهم كانوا بجانب الطور رأوه منتوقا أي مرتفعا مزعزعا ، فظنّوا أن سيقع
__________________
(١) سفر الخروج ، إصحاح ١٩ / ١٥ ـ ١٩.
(٢) المصدر : ٢٠ / ١٨ ـ ١٩.
(٣) راجع : الدرّ المنثور ، ج ١ ، ص ١٨٤ ، وج ٣ ، ص ٥٩٦ ؛ وجامع البيان ، ج ١ ، ص ٢٥٨ ، وج ٩ ، ص ٧٤ ؛ وتفسير ابن كثير ، ج ١ ، ص ١٠٤ ـ ١٠٥ ، وغيرها من تفاسير معروفة. وراجع أيضا : التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري ، ص ٤٢٧ ؛ والاحتجاج المنسوب إلى الطبرسي ، ج ٢ ، ص ٦٥.