بأبواب محكمة وحركات مهندسة ، فيسقون حسب حاجتهم ثمّ يسدّونه إذا أرادوا ... (١)
وذكر البيروني (٣٦٢ ـ ٤٤٠) ـ في الآثار الباقية ـ : أنّه قيل : هو شمر يرعش الحميري (وسمّي بذلك لذؤابتين كانتا تنوسان على عاتقيه ، وقد بلغ مشارق الأرض ومغاربها وجاب شمالها وجنوبها ودوّخ البلاد وأخضع العباد. وبه يفتخر أحد مقاول اليمن وهو أبو كرب أسعد بن عمرو الحميري في شعره الذي يقول فيه :
قد كان ذو القرنين قبلي مسلما |
|
ملكا علا في الأرض غير معبّد |
بلغ المشارق والمغارب يبتغي |
|
أسباب ملك من كريم سيّد |
فرأى مغيب الشمس وقت غروبها |
|
في عين ذي حماء وثأط حرمد |
من قبله بلقيس كانت عمّتي |
|
حتى تقضّى ملكها بالهدهد (٢) |
ورجّح البيروني هذا القول ورآه أقرب الأقاويل ، فإنّ الأذواء كانوا من اليمن ، كذي المنار وذي الأذعار وذي الشناتر وذي نواس وذي جدن وذي يزن ، وأخباره مع هذا تشبه ما حكي عنه في القرآن ... (٣)
وشمر يرعش هذا هو أوّل ملوك حمير من الطبقة الثانية ، كانت مدّة ملكه (٢٧٥ ـ ٣٠٠ م).
وأسعد أبو كرب هو سابع ملوكهم من نفس الطبقة (٣٨٥ ـ ٤٢٠ م). (٤)
ولعلّ الأمر اشتبه على البيروني ، إذ الذي يفتخر به أسعد أبو كرب ، هو ثاني ملوك حمير من هذه الطبقة ، واسمه «الصعب» الملقّب بذي القرنين عندهم وقد ملك سبأ وريدان وحضرموت (٣٠٠ ـ ٣٢٠ م). وبه افتخرت العرب الأوائل في أشعارها وخطبها ، منها خطبة قسّ بن ساعدة الأيادي (٥) المعروفة :
__________________
(١) معجم البلدان ، ج ٥ ، ص ٣٥.
(٢) في لفظ الأبيات اختلاف مع ما سبق نقله ، والصحيح ما أثبتناه هناك.
(٣) الآثار الباقية عن القرون الخالية ، تحقيق وتعليق پرويز أذكائي ، ص ٤٧ ـ ٤٨ ؛ وراجع : البداية والنهاية ، ج ٢ ، ص ١٠٥.
(٤) العرب قبل الإسلام لجرجي زيدان ، ص ١٤٣.
(٥) خطيب جاهلي مات حدود (٦٠٠ م) كان يضرب به المثل في البلاغة وحسن البيان. يقال : إنّه كان من نصارى نجران ، وكان يعظ قومه في سوق عكاظ.