المذكور في القرآن ، وأنّه هو الذي بنى السدّ الحديدي العظيم ... فمثل هذا المشروع الجلل ، والذي كان ـ على الفرض ـ من أكبر مفاخر الاسرة الهخامنشيّة ولا سيما كورش رأس السلسلة ... فلما لم يذكره المؤرّخون ، ولم يلهج به أبناء الفرس المتعصّبين على مفاخرهم في التاريخ ، وهلّا ذكره كورش في مفاخره ضمن سائر مفاخره والذي هو أعظمها وأجلّها ... ولم لم يعرفه العرب عنه ذلك وكانوا مولعين بذكر تاريخ الفرس وبطولاتهم ، ولا ننسى أنّ قصص الفرس كانت منتشرة بين العرب ، وكان لهم أنصار بينهم ، وقد تأثّروا بأدبهم ورواياتهم وقصصهم الشعبيّة ...؟! (١)
والإجابة على ذلك واضحة لمن سبر تاريخ ذلك العهد وما اعتورته من خطوب وأحداث كادت تكسح بكلّ آثاره وتذروها ذرو الريح العقيم. إنّ ما حدث بعد عهد الهخامنشيين من هجمات الإسكندر المقدوني العمياء ، لم يدع شيئا من معالم الحضارة قبلها إلّا طمسته وعملت في إمحائها عن صفحة الوجود ، عملا مستمرّا طول أحقاب ، بحيث أنست كلّ معالم التاريخ وآثار المدنيّة العظيمة والتي شيّدتها الحكماء والنبلاء من ذي قبل.
وفي العهد الساساني قامت حركة لإحياء التراث القديم ، ولكن من غير جدوى وبعد عهد طويل. وإنّما هي مقتطفات من أفواه الرجال وفيها الكثير من التحريف والتحوير ، فهي بأن تكون صورة ممسوخة ، أشبه منها أن تكون حقائق ناصعة.
تلك كانت مغبّة أجرام قام بها الإسكندر وأخلافه (السلوكيّون) حوالي قرن ، ومن بعدهم (الأشكانيّون) طيلة خمسة قرون ، حتى جاء دور الساسانيين ليقوموا بإحياء التراث القديم من جديد.
الأمر الذي جعل صفحة التاريخ خلوا من ذكر تلكم الآثار الجليلة والتي كان من حقّها الخلود مع الأبد.
وحتى أنّ أبناء الفرس لم يكد يعرف منهم شيئا من جلائل آثار كورش وأعقابه ،
__________________
(١) ذو القرنين القائد الفاتح والحاكم الصالح ، ص ٢٤٣ ـ ٢٤٤.