المقصد الأعلى والمطلوب الأوفى ، قالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى)! (١)
ومن ثمّ نرى كورش عند ما يتكلّم مع بني جلدته وفي أوساط توحيدية خالصة ، يذكر الإله تعالى ويصفه باسمى تمجيد : «آهورامزدا» يعني الخالق الحكيم ، ربّ العالمين ، ربّ السماوات والأرض ومدبّرهما. (٢)
وهو عند ما يعلن بمشروعه الفخيم بشأن إطلاق سراح بني إسرائيل والتعبئة لإعادة بناء القدس الشريف وإحياء معالم دين اليهود المتمزّق ، نراه يعبّر عنه سبحانه ب «يهوه» على حدّ تعبير اليهود أنفسهم ، يريدون ذاته المقدّسة ، خالق السماوات والأرض ومدبّرهما. (٣)
وهو كذلك عند ما يصف الإله المتعالي بلسان البابليين ، لكنّه يصفه وصفا لا ينطبق إلّا على الله سبحانه ، وإن كان التعبير منساقا حسب مصطلح المنطقة. فهو يعبّر ب «مردوك» ـ وفق تعبير أهل بابل ـ ولكن يصفه بعظمة ربّ الأرباب وإله العالمين. وهكذا عبّر عنه ب «بعل» بمعنى الربّ الأعلى والسيّد المالك إله السماوات.
وقد كان البابليّون يرون من «مردوك» ممثّل الإله ربّ العالمين. (٤)
هذا ، مضافا إلى ما يراه المؤرّخون من أنّ هذا المنشور الملكي كان قد نظّم بمعونة كبار الكهنة وعلى وفق آداب ومراسيمهم الدينيّة ، والذي جاء تعقيبا على منشور سابق كتبه الكهنة أنفسهم ترحيبا بجانب الملك الفاتح النبيل. (٥)
فلا غرو أن نجد فيه تعابير تتّفق مع رسوم البابليين محضا ... أمّا المعنى والمحتوى فمحتمل التأويل.
* * *
والسؤال الأخير : حتى ولو كانت الشواهد وفيرة على أنّ كورش هو ذو القرنين
__________________
(١) الزمر ٣٩ : ٣.
(٢) تاريخ جامع أديان ، ص ٤٥٦ ـ ٤٥٧.
(٣) إيران باستان ، كتاب ٢ ، كورش ، لحسن پيرنيا ، ج ٢ ، ص ٤٠١.
(٤) راجع : دائرة المعارف الإسلامية ، ج ٣ ، مادة بعل ؛ وإيران باستان ، ج ١ ، ص ١١٤ و ١١٩ وج ٢ ، ص ٣٨٦ ـ ٣٨٧.
(٥) راجع : إيران باستان ، ج ٢ ، ص ٣٩١.