لها أثرا يذكر ، ليس في المدنيّة فحسب بل وحتى وثائق الديانة السائدة هناك ذهبت أدراج الرّياح.
يقول الاستاذ آزاد : في الحقيقة يجب أن لا ننسى الغزو الإسكندري ، لم يكن ليبيد دولة الفرس وحدها ، بل وشمل المقدّسات الدينيّة فمزّقها ... وفي رواية قديمة جاء : أنّ كتاب زردشت كان يحوي على اثني عشر ألف ورقة مكتوبا عليها بالذهب. (١) وهذا وإن كان مبالغا فيه ، غير أنّ هذا الكتاب بجملته قد احترق حين هجم الإسكندر في ضمن سائر الكتب والصحائف ... على غرار ما اصيبت التوراة بحملة بخت نصّر!
ومن ثمّ عاملهم نبيّ الإسلام صلىاللهعليهوآله معاملة أهل الكتاب ، وقال : «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب». (٢) وعن الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام : «إنّي أعلم ما عليه المجوس ، عندهم شريعة يعملون بها ، وكتاب يؤمنون به. فعاملوهم معاملة أهل الكتاب ...». (٣)
* * *
بقي هنا سؤال : كيف يثني رجل التوحيد على آلهة عبّاد الوثن ـ كما عرفت في منشور بابل ـ لو كان كورش ذلك العبد الصالح (ذا القرنين) الذي يصفه القرآن؟!
لكن يجب أن لا ننسى أنّ رجال الحكمة يرون الإنسان ـ على مختلف شعوبه ـ إنّما يرنو بفطرته الذاتيّة إلى خالقه المتعالي ، هادفا ذلك الجمال الأوفى ، حتى ولو اختلفت التعابير وتنوّعت الأساليب :
عباراتنا شتّى وحسنك واحد |
|
فكلّ إلى ذاك الجمال يشير |
وحتّى الوثني إنّما يهدف الزلفى إلى الله تعالى ، وقد جعل الوثن رمزا يهديه إلى ذلك
__________________
(١) جاءت هذه الرواية في «دين كرت». كورش الكبير ، ص ٢٦٤ ؛ وفي مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٢٢٩ : أنّ هذا الكتاب في اثني عشر ألف مجلّد بالذهب ، فيه وعد ووعيد وأمر ونهي وغير ذلك من الشرائع والعبادات فلم تزل الملوك تعمل بما في هذا الكتاب إلى عهد الإسكندر فأحرق بعض هذا الكتاب. وهكذا ورد في كتاب النبي صلىاللهعليهوآله إلى مشركي قريش بشأن المجوس. راجع : الكافي ، ج ٣ ، ص ٥٦٨ ، رقم ٤.
(٢) رواه البيهقي في السنن الكبرى ، ج ٩ ، ص ١٨٩ ـ ١٩٠.
(٣) روى البيهقي قريبا منه ، ج ٩ ، ص ١٨٨ ـ ١٨٩ ؛ وراجع : كتاب الخراج لأبي يوسف ، ص ١٢٩.