التوحيد والأخلاق الفاضلة ، وأنّ عبادة النار (١) والعقيدة الثنويّة (٢) ليستا منه ، بل من بقايا مجوسيّة (٣) «مادا» التي اختلطت بالزردشتيّة في العصور التالية. (٤)
ثمّ يأخذ مولانا أبو الكلام آزاد في الكلام عن ديانة زردشت وأنّها كانت دين توحيد خالص وكانت دعوتها قائمة على أساس فضيلة الأخلاق والإيمان بيوم الحساب ، وكان ازدهار هذه الديانة على عهد الهخامنشيين كما يبدو من وثائق نحتها ملوكهم العظام على صخور الجبال.
تلك وثائق داريوش ـ الذي تسنّم الحكم بعد كورش بثمان سنوات ـ تتجلّى على صفاح الجبال الشامخة قبل ألفين وخمسمائة عام ، جاء في إحداها :
«هو الله العظيم ، «آهورامزدا» ، (٥) خالق السماوات والأرض وخالق الإنسان ومنحه لذّات الحياة ، والذي أكرم داريوش بكرامة الملك والسلطنة على مملكة واسعة الأرجاء ، ومنحه برجال أكفاء وأفراس جياد ...».
وجاء في اخرى :
__________________
(١) لم تكن هناك عبادة نار بمعنى قداستها ، بل جعل حريم لها حفاظا على الإبقاء لإشعالها لغرض استفادة العموم منها في حوائجها اليوميّة ، حيث كان إيقاد النار على العامّة صعبا ، فجعلوا مكانا خاصا لإشعالها ليل نهار في خدمة الناس. ولئلّا يتعرّض السفلة لإطفائها فرضوا لها حريما وفرضوا حرمتها لذلك محضا ، بلا أن يكون ذلك قداسة أو عبادة. فلم يكن المجوس يوما ما يقدّسون أو يعبدون النار ، نعم كانوا يأخذون بجانب حرمتها لغرض الخدمات العامّة تسهيلا على الناس في حوائجهم ... وقد ظلّت هذه العادة مستمرّة حتى الأيّام التي لم تعد حاجة إلى ذلك. تقليدا لسنّة السلف محضا. يقول الفردوسي في ذلك :
مگوئى كه آتش پرستان بدند |
|
پرستنده نيك يزدان بدند |
(لا تقل إنّهم عبدة النار |
|
إنّما هم عبدة صالحون لله تعالى) |
(٢) لا أساس للعقيدة الثنويّة في مبدأ الوجود ، وإنّما هو إله واحد (آهورامزدا) هو خالق كلّ شيء ، وبما أنّه خير محض ، فكلّ مخلوقاته خير. نعم كانت الشرور بفعل «أهريمن» (الشيطان) الذي هو فاعل الشرور بتسويلاته ، لا أنّه خالقها. وقد صرّح زردشت بأن ليس هناك إلها هو خالق الشرور ، بل هناك مظهر للشرور سمّاه «أنگره مى نيوش» وتحوّل إلى «آنرومين» وأخيرا إلى «أهرمن» ، هو الشيطان الرجيم عند المسلمين. ذو القرنين ، ص ٢٥٧ ـ ٢٦٠.
(٣) مجوس ، لفظة عبريّة عربيّة ، معرّب «موغوش» (موگوش ـ بالگاف الفارسيّة) أي «مغ» و «موبدان» يطلق على سدنة المعابد وبيوت النار عند المجوس. وراج استعماله على كلّ من اعتنق المجوسيّة.
(٤) كورش الكبير (ذو القرنين) ، ص ٢٤٦ ـ ٢٥٤.
(٥) يعني : الإله الحكيم. راجع : تاريخ جامع أديان ، جان بي ناس ، ترجمة علي أصغر حكمت ، ص ٤٥٦.