الأكبر ... وظلّ هذا تقليدا عامّا لكلّ عاهل فارسي.
ويرى العلّامة أبو الكلام آزاد : أنّ كورش كان يطبّق تعاليم الفيلسوف والحكيم المشهور «زرادشت» والتي تدعو إلى الخير وتعتقد بالحياة الاخرى وبقاء الروح. كما يرى أبو الكلام آزاد في تعاليم «زرادشت» أنّها محور دارت عليه الدعوة إلى طهارة النفس وحسن العمل ، يرى فيها أيضا تحريما لعبادة الأصنام في أيّ شكل من الأشكال.
ومن دلائل تديّن الحاكم العظيم كورش ما كشفه الاستاذ «هرتزفلد» (dlefzreH) من بقايا معبد قديم ، يعتقد أنّ كورش هو الذي بناه في مدينة «پاسارگاد» ويقوم هذا المعبد على مقربة من قصر الملك ، وقبره في تلك المنطقة. وهذا المعبد يعبّر عن مبلغ أهميّة هذه الديانة في عهد كورش ومن بعده. ويراها المؤرّخون ديانة قديمة كانت ذات أهميّة كبيرة عند أهل فارس القديمة ، وأنّها دعت كلّ إنسان وحثّته على اختيار أحد الطريقين : إمّا أن يملأ قلبه بالخير والنور أو ينغمس في الشرّ والظلمة. وعلى كلّ فسيلاقي جزاءه ويحاسب على ما آتاه. ويعتبر المؤرّخون هذه العقيدة أقدم ديانة ظهرت في آسيا تعتقد بالحساب بعد البعث.
قال الدكتور خضر : ولعلّنا نجد في قول ذي القرنين ما يشير إلى ذلك :
(قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً).
أي هناك إلها ، سيرد إليه كلّ إنسان يوم البعث للحساب ، فإن كان ظالما في حياته فسوف يعذّبه الله عذابا شديدا.
وقد ذكرت كتب المؤرّخين أنّ كورش لم يعمل السلب والنهب في القبائل الأيونية (١) التي أخضعها ، ولم يسمح بالنهب والقتل فيما آل إليه من مدن وممالك. وكان بذلك على العكس تماما من الملوك الآشوريّين ... فإنّهم جعلوا المدن التي فتحوها في مستوى الأرض ، وكانوا يتبجّحون بأنّهم تركوها خرابا يبابا ، فلم يعد يسمع فيها نباح كلب
__________________
(١) أيونيّة : منطقة وسيعة في غرب آسيا الصغرى تشمل السهول الساحليّة لبحر إيجة والبحر الأسود وجزر منتشرة هناك ، كان يسكنها المهاجرون اليونانيّون القدامى وأسّسوا هناك مملكة وسيعة مقتدرة حالفت ليديا وملكها «كرزوس» العاتي على كورش ، لكنّ كورش سامحهم بعد الاستيلاء عليهم جميعا.