(قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ ... هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ...)(١)
كان قد مكّنه الله في الأرض وكان قد استخدم سلطانه هذا في سبيل عمارة الأرض وإفشاء السلام فيها ، وبذلك وبنعمته تعالى أصبح عبدا شكورا!
وهل تتصادق صفات كهذه مع سيرة كورش السياسيّة آنذاك؟
الممعن في سيرة كورش بدقّة يجده على الوصف الذي جاء في القرآن الكريم :
كان مؤمنا معتقدا بالله العظيم وأن لا حول ولا قوّة إلّا به ، وأنّه تعالى هو الذي رعاه وألهمه الخير وهداه إلى سبيل الرشاد ، في إصلاح البلاد والعناية بشئون العباد. الأمر الذي يبدو بوضوح من سيرته الحكيمة مع مختلف شعوب الأرض :
يقول الدكتور خضر : ويميل كثير من المؤرّخين إلى اعتبار أنّ كورش كان ملكا يتّصف بالعقل والحزم والعزم والرأفة في آن واحد ، وأنّه كان يمضي إلى آخر المطاف في أيّ عمل يبدأه ، ولا يترك أيّ عمل دون إتمام. وكان يلجأ إلى العقل أكثر من لجوئه إلى القوّة.
وكان يعامل الشعوب المغلوبة معاملة حسنة تتّصف بالرأفة والشفقة ، بخلاف ما كان عليه الحال عند الملوك الآشوريّين والبابليّين ، وكان يعامل الملوك المهزومين معاملة طيّبة جدّا لدرجة أنّهم كانوا يصبحون أصدقاء حميمين له وكانوا يقدّمون له العون إذا تطلّب الأمر.
وكان العدل يرفرف على جميع الشعوب التي خضعت له من نهر السند حتى بحر إيجة (وهي مسافة تقرب من طول الولايات المتّحدة الأمريكيّة من الشرق إلى الغرب) ... ومن خليج عدن حتى صحراء بحر قزوين. وكان النظام الذي أرسى الحاكم العظيم كورش دعائمه في هذه الإمبراطوريّة المترامية الأطراف عملا خارقا يعدّ من الأعمال الخالدة المجيدة في تاريخ الشرق بل في تاريخ العالم كلّه ...
حقّا ... لقد كان حاكما رحيما مستنيرا يدعو إلى الخير ... وكان يلقّب بالملك
__________________
(١) الكهف ١٨ : ٨٤ و ٨٦ و ٩٥ و ٩٨.