وأيضا كان بين ممالك مغل وممالك خوارزم منطقة وسيعة يحكمها أمراء «قراختائيان» وكانت ما وراء النهر (سمرقند وبخارا) تحت سلطتهم وكانت الفاصل الحاجز بين المغل والخوارزميّة. فعمد الملك محمد خوارزم شاه إلى فتحها وإلحاقها بممالكه الوسيعة الأمر الذي تحقّق سنة ٦٠٧ ه. وفي سنة ٦١٢ ه. زحف خوارزم شاه من مدينة «جند» نحو مساكن قبائل «قپچاق» فواجه أفواج «جوجي» ابن جنكيزخان ، وهذا وإن سامحه وأخبره أنّه لم يأت للحرب سوى إخماد نائرة بعض البغاة. لكن الملك محمد خوارزم شاه لغروره عزم على مقاتلتهم ، سوى أنّ «جوجي» غادر المحلّ ليلا وأخبر أباه بمفاجأة الملك الخوارزمي وأنّه عازم على مقاتلتهم بالذات ، فكان أوّل بادرة حدثت بين الدولتين. (١)
ويضيف الشيخ طنطاوي هنا : أنّ الملك الخوارزمي لمّا غزا بلاد ما وراء النهر ، سرت السرائر وابتهجت القلوب بهذا الفتح. وكان إذ ذاك في «نيسابور» عالمان فاضلان فأقاما العزاء على الإسلام وبكيا. فسئلا عن ذلك فقالا : وأنتم تعدّون هذا الثلم فتحا وتتصوّرون هذا الفساد صلحا ، وإنّما هو مبدأ الخروج وتسليط العلوج وفتح سدّ يأجوج ومأجوج ، ونحن نقيم العزاء على الإسلام والمسلمين وما سيحدث من هذا الفتح من الحيف على قواعد الدين (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ). (٢)
قال الطنطاوي : فهذا تصريح من هذين العالمين بما أوردناه بشأن يأجوج ومأجوج وأنّهم من أقوام التتر ، وانظر كيف ظهر صدق كلامهما في حينه وظهر التتر وأفنوا المسلمين وماج الناس بعضهم في بعض. (٣) (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ). (٤)
__________________
(١) راجع : تاريخ إيران ، ص ٤٠٤ ـ ٤٠٥.
(٢) ص ٣٨ : ٨٨.
(٣) تفسير الشيخ طنطاوي ، ج ٩ ، ص ٢٠٥.
(٤) الأنبياء ٢١ : ٩٦.