النباتات ـ بما لها من تركيب خاصّ ـ تتحايل على الحصول على أكبر كميّة ممكنة من الماء والاحتفاظ به. ومن ثمّ كانت الجذور أطول وأكثر تشعّبا من السيقان. ولذا فقد كانت هذه القبائل تحفر في الأرض بحثا عن هذه الجذور لتقتات بها.
وعند ما كان العطش يهدّد حياة هذه القبائل كانوا يفتحون جذوع بعض النباتات الصحراويّة التي تتّصف بالانتفاخ ويمتصّون ما فيها من ماء مخزون.
والبيئة ـ والحال هذه ـ تشبه تماما ما توحي به الآية الكريمة التي عبّرت عن نمط حياة هؤلاء الأقوام المعيشيّة حيث قال تعالى : (حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً). فسبحان الله أصدق القائلين!
وما أروع دقّة القرآن وشموليّته ومعالجته لهذه القضايا ، في شكل إشارات عابرة تترك للعقل البشري على تتابع العصور مهمّة الكشف والتنقيب عن تفصيلاتها واتّخاذ العبرة والموعظة الحسنة منها!
(ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً).
وهي رحلة ثالثة ، كانت اولاها إلى الغرب لإخضاع بلاد ليديا ، والثانية نحو الشرق شماليّ بحر قزوين لإخضاع قبائل عزّل وحش لم يعرفوا حتّى الوقاء من الشمس ، وهذه هي الثالثة نحو الشرق أيضا ، ولكن حيث متّجه بلاد قوقاز بين بحر قزوين والبحر الأسود. (حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ) بين الجبلين من سلسلة جبال قوقاز. والسدّ : الجبل الشامخ يصعب عبوره كأنّه سدّ حاجز.
(وَجَدَ مِنْ دُونِهِما) (وراءهما) (١) (قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً) لصعوبة لغتهم ووعورة لهجتهم بحيث لم يكد يمكن التفاهم معهم بسهولة.
ينتهي هذا الطريق الذي سلكه كورش ، إلى منطقة جبلية وعرة متضرّسة تمثّل حائطا جبليّا طبيعيّا عرضيّا شامخا يحول دون هجرات الشعوب المتوحّشة وإغارتها على من وراء الحائط الجبلي من شعوب بدائيّة مستضعفة.
__________________
(١) حسبما ذكره الرازي في التفسير الكبير ، ج ٢١ ، ص ١٧٠.